كيف للولايات المتحدة أن تسيطر على الشرق الأوسط اليوم؟[1]
المصدر: مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (Center for Strategic & International Studies)
العنوان: 2015 Global Forecast
ترجمة خاصة بمركز الديوان للدراسات
الفعل وردة الفعل في الشرق الأوسط
جون ألترمان
عندما اندلعت المظاهرات الحاشدة في العالم العربي عام 2011 ارتأت إدارة أوباما فرصة. قام الرئيس أوباما بالمساعدة في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك الذي طالما كان حليفا لأمريكا. وقال أوباما سيذكر التاريخ أننا بالوقوف إلى جانب الشعب المصري في ثورته كنا في الجانب الصحيح.
وبعد حوالي أربع سنوات لم تسيطر الشعوب على الشرق الأوسط. فهناك عدد من الدول مثل ليبيا وسوريا تعاني من الحرب الأهلية والتي كانت قد بدأت على شكل مظاهرات سلمية. وفي مصر بعد أن شهدت حكومة اقصائية للغاية عادت مرة أخرى بدعم شعبي إلى الحكم العسكري. وبعد ثلاث سنوات ونصف من موت أسامة بن لادن ينتشر الجهاديون في المنطقة بأسرها. في الوقت نفسه، تجد الولايات المتحدة نفسها تقاتل في معارك في الشرق الأوسط مع تحالفات متوترة ونفوذ متقلص. ما الخطأ الذي حدث؟
بالنسبة للبعض تتمثل المشكلة في أن الولايات المتحدة قد تركت مبادئها من أجل مصلحتها. وفي حديث له إلى وزارة الخارجية بعد أسبوع من مقتل ابن لادن، قام الرئيس برفع آمال المثاليين مقارنا الاحتجاجات في الشرق الأوسط بالثورة الأمريكية والكفاح الأمريكي من أجل الحقوق المدنية في الخمسينيات والستينيات. وقال أنه بعد عقود من قبول العالم كما هو في المنطقة، فإن لدينا فرصة لجعل العالم يسير كما ينبغي. كما أن استعار العنف والفوضى في الشرق الأوسط قد دفعت الولايات المتحدة للعمل بشكل أكبر مع الجيوش ووكالات الاستخبارات والقادة السلطويين الذين كان الزمان قد عافا عليهم منذ شهور.
وقد كان التوتر بين المثاليات والمصالح واضحا بشكل جلي في البحرين حيث يوجد الأسطول البحري الخامس الأمريكي، وحيث تقوم الحكومة السنية هناك، بدعم من السعودية ودول أخرى مجاورة، بقمع الثورة التي يقودها الأغلبية الشيعية. لم تتأثر عمليات البحرية الأمريكية مطلقا هناك واستمرت أمريكا في بيع بعض المعدات العسكرية بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات هناك. وبالنسبة لآخرين فإن أمريكا بقيت ليس فقط مثالية وإنما ساذجة في وجه الواقع والتهديدات القائمة في الشرق الأوسط.
ولا يزال حلفاء أمريكا في الخليج يقولون أن تخلى إدارة أوباما عن حسني مبارك وتركه ليواجه مصيره هو الذي جلب الفوضى إلى المنطقة. وتعبر الحكومات المحافظة في المنطقة عن حيرتها من استمرار الولايات المتحدة في غض الطرف عن تهديد الإخوان المسلمين الذين يبدون ديمقراطيين للوهلة الأولى بينما هم مستعرون من أجل إقامة الدولة الدينية. هذه الحكومات لا تتساءل فقط عن الدعم الأمريكي الذي ينبغي أن يحصلوا عليه في مواجهة التحديات الداخلية وإنما يتساءلون أيضا عما يمكن أن تقدمه أمريكا لهم في مواجهة العدو الخارجي. ويشتكى الواعقيون في الولايات المتحدة من أن الاضطراب الذي صاحب التغير السياسي السريع إنما هو أمر متوقع وعميق وحرص الولايات المتحدة لمساعدة هذا التغيير إنما يعكس عدم الدراية التاريخية أو التفكير الاستراتيجي.
وربما كان الأمر الأكثر غرابة في الشهور الأخيرة في الساحات التي تقدمت فيها أمريكا بجهود كبيرة، في العراق على سبيل المثال، أن أمريكا قد صبت اهتمامها على العلاقات الحكومية الحكومية. ولفعل ذلك، يعتمد الرئيس على مسؤولين فاسدين أو غير فعالين من أجل الوصول إلى القاعدة الشعبية العريضة غير الراضية والتي رأى الرئيس فيها ما وعد به منذ سنوات قليلة.
إن السياسات المضطربة في الشرق الأوسط قد دفعت بالولايات المتحدة نحو سلوك متأن تجاه ديمومة حلفائها. بكل بساطة، فإن أمريكا ليست على استعداد للمراهنة على نجاحها. إن السرعة التي تحركت بها أمريكا لإنشاء علاقة عمل مع الإخوان المسلمين في مصر كانت صادمة بالنسبة للعديد منالقادة الإقليميين وخصوصا إذا ما قورنت بالتردد الذي قبلت به الولايات المتحدة الجيش المصري الذي استحوذ على السلطة. أما بالنسبة لأمريكا، فالمسلسل كان يعتمد على التركيز على العملية أكثر من النتائج. أما بالنسبة للحلفاء العرب، فإن هذا كان انتهازا للفرص بأخذ جانب المنتصر بدلا من الأصدقاء.
كما أن انعدام الثقة في نوايا الولايات المتحدة قد أضفى صبغة الشك على تقييم القادة العرب للمفاوضات التي تقودها أمريكا حول البرنامج النووي الإيراني. تخشى الحكومات العربية من أن تحاول الولايات المتحدة جاهدة لاستيعاب إيران في المفاوضات وأن تتصرف بشكل عدائي للغاية مع الانتهاكات الإيرانية المتوقعة للاتفاق وبذلك تصير الحكومات العربية فريسة للأطماع الإيرانية. كما أن خوف قادة الخليج على وجه الخصوص متمثل في إمكانية استقلال أمريكا فيما يخص الطاقة وهو ما يرونه انهيارا لمصالح أمريكا عندهم وهو ما سينعكس على أمنهم.
وفي الوقت الذي يوجد فيه اتفاق واسع النطاق يقول بأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لابد أن تكون متجاوبة مع الظروف على الأرض، فإن هناك مخاوف واسعة من أن أمريكا صارت متأخرة في ردود أفعالها وتحركها الأزمات وليست صاحبة مبادئ ولا يمكن التنسيق معها.
وبأخذ من الاعتبارين، الدبلوماسية التحويلية لكونداليزا رايس أو صناعة الدول في القرن الحادي والعشرين لهيلاري كلينتون، فإن أمريكا لا تزال تفتقر إلى الاستراتيجية التي هي في أمس الحاجة إليها في عالم يزداد تعقيدا – وشرق أوسط يزداد تعقيدا – حيث اللاعبون غير الحكوميون هم الأقوى والاتصالات قوية والأولويات من الصعب التمسك بها. ومن الأمور المهمة أيضا أن تعقيد السياسة الخارجية قد ساعد في خلق عالم يصعب فيه على الولايات المتحدة الحفاظ على أولوياتها الاستراتيجية.
وربما تبدو استراتيجية أوضح كما يلي: أمن طاقة عالمي، وهو بالتأكيد من بين المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وهي تقوم باحتواء الإرهاب العالمي. وإلى جانب هذا لابد من الحفاظ على أمن الحلفاء الرئيسيين ضد الدول المعادية وكذلك دعم ظهور الحكومات الصديقة الناشئة. إن العمل مع دول صديقة في المنطقة وأوروبا وأسيا لا بد وأن يكون أهدافا استراتيجية. ومن أجل مواصلة ذلك فلا ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل مع الحكومات الصديقة فقط وإنما عليها أن تدفع لتقوية العاملين غير الحكوميين العاقلين أيضا داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومن خلال كل هذا، على الولايات المتحدة أن تبقي على دراية بأن بعضا من أهم نجاحاتها لم تأت مما فعلته هي بشكل مباشر وإنما من خلال إيجاد مؤسسات ومحفزات تشجع الناس والحكومات على التصرف بالطرف التي ترغب بها. لا تزال الولايات المتحدة بحاجة إلى ردة فعل، ولكن ردود الأفعال تلك تحتاج إلى أن تكون جزءا صغيرا من أفعالها في الشرق الأوسط وما بعده.
الحاجة إلى تخطيط عسكري مدني أفضل
أنطوني كورديسمان
لا تزال أمريكا تخوض حروف لأكثر من عقد من الزمان في محاولة لجلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط. لم تكن النتيجة جيدة. فالانتصار الأمريكي الأولي في العراق والذي أطاح بالرئيس صدام حسين قد أعقبه ثمان سنوات من حرب العصابات والآن تخوض أمريكا حربا ضد داعش. كما أن الجهود العسكرية الأمريكية للقيادة من الخلف في ليبيا بعد ثورة 2011 تركت ليبيا في حالة من عدم الاستقرار والفوضى العارمة. كما أن الجهود العسكرية الأمريكية في اليمن لم تمنع عاصمتها والحكومة من السقوط في يد الحوثيين.
كان للاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 نتيجة غير مقصودة أسفرت عن الإخولال بتوازن القوى العسكرية في منطقة الخليج وذلك من خلال تدمير القوات المسلحة العراقية والمشاركة في سباق تسلح سريع للغاية بين إيران والولايات المتحدة وجيران إيران من العرب. كما أن البيانات العالمية لدراسة الإرهاب والرد على الإرهاب تظهر زيادة في الحوادث الرئيسية التي كانت لا تتعدى 300 حادثة في العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين 1998 و 2004 إلى 1600 حادثة في 2088 ثم من 1500 في 2010 إلى 1700 في 2011 و 2500 في 2012 و 4650 في 2013 وهنا نرى قفزة كبيرة خلال هذه الفترة.
وقد وجدت دراسة أعدتها مؤسسة "راند" مؤخرا أن عدد الجهاديين السلفيين قد زاد عن الضعف من 2010 إلى 2013 وذلك وفقا للتقديرات العالية والمنخفضة. وقد كانت الحرب على سوريا بمثابة أكبر عامل جذب للمقاتلين الجهاديين السلفيين. وقد كان هناك زيادة واضحة في عدد الهجمات من قبل جماعات موالية للقاعدة بين 2007 و 2013، بينما كان معظم العنف في 2013 على يد داعش (43%).
لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل الحاجة إلى مواجهة التهديدات الحقيقية بالقوة العسكرية، أو الحاجة إلى إيجاد برامج فعالة لمواجهة الإرهاب. كما أنها أيضا بحاجة إلى النظر في الفشل التام تقريبا في إيجاد خطط وبرامج عسكرية ومدنية فعالة خلال كل من حربي أفغانستان والعراق والفشل الذريع في إدارتهما بشكل ناجح وإيجاد حالة من الشفافية وضوابط مالية كافية وإجراءات فعالية. ووفقا لتقديرات خدمات أبحاث الكونجرس فإن الولايات المتحدة قد أنفقت بالفعل 1.8 تريليون دولار على حربينوقد وجد أن هذا الأرقام يتخلله عمليات فساد وإهدار مال وتزوير.
أما الروابط الأضعف فتتمثل في الجانب المدني لإنفاق المساعدات والتخطيط والإدارة الضعيفة وغياب التدقيق وإجراءات الفعالية من قبل وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وهناك حاجة ماسة إلى مراجعة شاملة للوقوف على أسباب هذا الفشل ولإيجاد طرق لبناء كيان يمكنه مواكبة هذه التحديات في المستقبل. وكما أوضحت الحرب الجديدة على داعش، أنه لا يمكن الفوز بالقوة وحدها في حرب ضد الجهاديين أو الإرهاب أو أماكن التطرف.
وهنا، يحتاج الأمريكيون والأوروبيون إلى فهم أن التهديد الأساسي ليس في الدول الخارجية، وهكذا كما ذكرت راند أن حوالي 99% من الهجمات التي قامت بها القاعدة والجماعات التابعة لها في 2013 كانت ضد أهداف لعدو قريب في شمال أفريقيا، الشرق الأوسط، ومناطق أخرى خارج الغرب."
وكما أوضحت تقارير التنمية الإنسانية العربية للأمم المتحدة منذ 2002 فإن كلا من الدول الغريبة ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة لأن تعير مزيدا من الاهتمام لأسباب هذه المشكلات المدنية. هذه المشكلات معقدة وتختلف باختلاف الدولة ولا يتفق المحللون حول أهمية القضايا المطروحة، غير أن القائمة القصيرة للضغوط الرئسية تظهر أن التطرف وعدم الاستقرار سوف يستمر مادامت الأسباب المدنية لا يتم معالجتها.
فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتألف من صحارى ومياه جوفية وأنهار متدفقة وأمطار وتعتمد على كميات ضئيلة من المياه الأحفورية.كما أن هذه المنطقة تقع تحت ضغط ديموغرافي لا يصدق. ووفقا لمكتب الإحصاء الأمريكي فإن العدد الكلي لسكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان حوالي 83 مليون في 1950. وفي 2014 بلغ سكان نفس المنطقة 404 مليون نسمة وهو أكثر خمس مرات من الخمسينيات. كما أن معدل النمو في هذه المنطقة يتضاءل غير أن التقديرات المحافظة تقول بأن السكان سيصلون إلى 590 مليون بحلول عام 2050 وهو أعلى بسبع مرات من الخمسينيات وأعلى 46% من العدد في 2014.
ومن أسباب ذلك هو الشيخوخة. فقد زاد المعدل العمري حوالي 12 عاما من 61 عاما إلى 73 عاما. وفي الوقت نفسه، زادت نسبة الإعالة بسبب زيادة أعداد الشباب. ويقدر كتاب حقائق وكالة الاستخبارات الأمريكية أن نسبة المواطنين البالغين 14 عاما أو أصغر يمثلون ما بين 28 و 38 بالمائة في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالمقارنة فإنهم يمثلون 19.4% في الولايات المتحدة و13.8% في إيطاليا و 13.2% في اليابان.
ويوجد هذا حالة من الضغوط الشديدة على الشباب في دول لا تستثمر جيدا في التعليم وحيث تفشل الحكومات في خلف وظائف مجدية ووظائف تتلاءم من الزيادة السكانية. وتزيد المشكلة في بعض المجتمعات التي لا تسمح للمرأة بالمنافسة أو الإنتاجية. وهذه المشكلات تسبب عدم الاستقرار أكثر من البطالة المباشرة وخصوصا في دول فشلت في التمدن وإصلاح اقتصادياتها وهي أيضا تفتقر إلى الثروة النفطية الكبيرة.
وقد أجبر العديد من المواطنين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لترك مناطقهم التي وفرت لهم الطائفة والعرق والقبيلة من خلال شبكة اجتماعية آمنة. كان هناك انخفاض وليس زيادة في الأراضي الصالحة للزراعة، وأوجد ظهور هيكل الأسواق الناشئة للزراعة ضغطا قويا لاستثمار الأموال في الزراعة وخفض عدد الناس في المنطقة.
وهذا الدفع بعيدا عن الأرض والضغط السكاني الهائل قد أدى بجميع الدول ما عدا الدول الغنية بالنفط إلى حالة من فرط التحضر غير المستقر للمجتمعات التي كانت من قبل ريفية. ولجعل الأمور أسوأ، فإن الحكومات لن تعمل على مواكبة هذا التطور والعمران والبنية التحتية أو الاستثمار في التعليم وفي بعض الأحيان فشلت في تقديم أبسط الضروريات مثل المياه والكهرباء. وهذا التمدن للمناطق الأكثر ثراء في أغلب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنما يخفي الأحياء الفقيرة الكبيرة والدخول المنخفضة. وحسب بعض التقديرات فإن الدول التي كانت بنسبة تحضر من 16 ل 18% في الخمسينيات صارت الآن بنسبة تحضر بلغت 40%.
وتقدر وكالة الاستخبارات الأمريكية نسبة التحضر في قطر عند 98% و 73% في الجزائر بينما تصل إلى 82.3% في السعودية و 82.7% في الأردن. وفي العديد من الحالات، فإن هذا يوجد ضغطا جديدا يزيد من الطائفية والعرقية والتوترات القبلية. كما أن الأمور ذادت سوءا بزيادة تدفق اللاجئين والمهجرين في الداخل الذين ظهروا نتيجة الصراعات الدولية والمحلية – الحرب الأهلية في الجزائر والحرب الإيرانية العراقية في العراق وكذلك الصراعات العربية الفلسطينية والحروب الأهلية الجارية في ليبيا وسوريا واليمن.
إذا ما نظر أحد إلى ميزانيات الدول وبيانات الأمم المتحدة، فإن العديد من الدول غير النفطية – ودولا نفطية رئيسية مثل الجزائر وليبيا وإيران والعراق – لا تستثمر في القطاع المدني بشكل يتناسب مع الزيادة السكانية ولا تنفق أيضا بشكل جيد على التعليم والخدمات الاجتماعية. وهناك الآن قصور واضح بين المستويات المطلوبة للتعليم في سنوات والتعليم الفعلي. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن معدل التدريس المطلوب يصل إلى 10.6 سنوات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن معدل السنوات الحقيقية هو 6 سنوات. ليس هذا سيئا بالنسبة لمعايير جنوب أسيا وأفريقيا ولكنه يقارن ب 10.4 سنوات في أوروبا ويوجد جيلا من الشباب لا يعرف عن الإسلام وقابل للتطرف وليس لديه سبب واحد سجعله يدين بالولاء لنظام بلاده.
إن العلمانية والهياكل السياسية القائمة غالبا ما تكون ضعيفة. وقد فشلت جميع الأيديولوجيات التي ظهرت في الماضي، وتظهر جميع مؤشرات البنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية مستويات عالية من الفساد والعنف والفشل المزمن في إجراء إصلاحات اقتصادية وقصور شديد في حكم القانون. وقد ساعد هذا التجمع من السلطوية والفساد وغياب الشفافية والفشل في حكم القانون على ضمان أنه لا يوجد أحزاب سياسية حقيقية وليس هناك قادة للمعارضة قادرين على الحكم. بل إن المعارضة تصير خفية وأيديولوجية ومتطرفة وعنيفة. وتحذر تقارير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان من أن الأنظمة القضائية قمعية ومختلة في القضايا الجنائية والمدنية، وأن التطرف الديني إنما يكتسب شرعية سياسية افتراضية – وخاصة بعد ما يقوم به المتطرفون من عمل في استخدام الإنترنت والجمعيات الدينية والشبكات الاجتماعية.
بعض دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط لا تزال تبلي بلاء حسنا وتقوم بالتحديث والإصلاح غير أنه يوجد فجوة كبيرة في الدخول بين دول هذه المنطقة. وتقول تقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية أن متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو 2500 دولار في اليمن و 6000 دولار في الأردن و 6600 دولار في مصر و 7000 دولار في الجزائر و 7100 دولار في العراق و 12800 دولار في إيران و 31300 في السعودية و 102100 في قطر وذلك مقارنة بـ 52.800 في الولايات المتحدة. وإذا ما نظرنا إلى الدخل القومي الإجمالي للفرد فإن المعدل هو 8.317 في 2013 للعالم العربي مقابل 33.391 لجميع الدول المتطورة. والأكثر من ذلك أن الفساد والمخاصصة تحرف هذه الأرقام لصالح النخبة وتبقي السلطة في يد أصحاب الأعراق القوية وعلى أساس طائفي وقبلي.
وكما تظهر بعض هذه الأرقام، فإن المرء لابد أن يكون حذرا في الحديث عن الثروة النفطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فبعض مملكات الخليج تبلي جيدا غير أن تقديرات وزارة الطاقة/إدارة معلومات الطاقة دخل الفرد من ثروة النفط في منظمة أوبك تتراوح فقط بين 1667 دولار في الجزائر إلى 2706 دولار في العراق و 8939 دولار في السعودية و 40943 دولار في قطر.
تحدي الجهات الفاعلة غير الحكومية
هايم مالكه
بعد نصف قرن شهد شرقا أوسطا منقسما على طول فترة الحرب الباردة بين حلفاء الولايات المتحدة وخصومها، فإن علاقات الولايات المتحدة الآن علاقات جيدة بجميع الدول العربية تقريبا ما عدا نظام الأسد. غير أن الجماعات المسلحة غير التابعة لأي دولة فقد ظهرت لتكون محركا مهما للصراعات في المنطقة وهي غالبا ما تكون عدائية للولايات المتحدة. واليوم فهذه الجماعات تقوض أهداف السياسة الأمريكية وتزعزع استقرار البلاد وتقتل المدنيين.
على الولايات المتحدة أن تتعامل، أكثر من ذي قبل، مع العدو الذي يعمل في مناخات سياسية أكثر تعقيدا. ولفعل هذل يطلب من مسؤولي الحكومة الأمريكية يقظة وحركة وإبداعا في وقت تدفع فيه المخاوف الأمنية لأخذ الحرص داخل أسوار السفارة.
ليس الولايات المتحدة أدوات كثيرة للسيطرة على الجماعات المسلحة غير الحكومية على العكس مع الحكومات، وقد شجعت العلاقات الثنائية الوثيقة بينها وبين الحكومات على أن تقوم أمريكا بوصف هذه الجماعات بأنها تنظيمات إرهابية خارجية وهو ما عقد أي اتصال أمريكي معهم. وعندما يتعلق الأمر بالجماعات المسلحة غير الحكومية تكون الأدوات والأهداف مقصورة على العزل وإنهاء الوجود.
ولكن هذه الجماعات انتعشت. وفي الشرق الأوسط، تكيفت الجماعات المسلحة غير الحكومية على تحويل العقبات السياسية والفرص كما أنهم قد تبنوا صفات الدول. فمثل هذه الجماعات تسيطر على مناطق وتشترك في الدبلوماسية وتبني دوائر من الأنصار وتلعب السياسة. فبدلا من البحث فقط عن حصة في أنظمة الدول القائمة، تعيد هذه الجماعات غير الحكومية إعادة تشكيل هذه الأنظمة.
ومن بين التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة هو كيفية معالجة جذور وأسباب هذا الدعم الذي تتمتع به هذه الجماعات المسلحة. ففي الكثير من الأحيان تكون الجماعات المسلحة غير الحكومية ممثلين سياسيين ولديهم أهداف تتماشى مع قطاع عريض من الشعب. فحزب الله قد حارب من أجل حقوق الأغلبية الشيعية التي طالما همشت في لبنان الحديثة. وقدمت حماس نموذجا بديلا لغطرسة منظمة التحرير الفلسطينية وفسادها والتي يقول منتقدوها أن لم تقم بالكثير من أجل إنشاء وطن مستقل للفلسطينيين. وحتى في قتال القاعدة وداعش نجد انهما يحضون بدعم كبير من الشباب الذين يرغبون في الموت في سبيل أيديولوجيتهم والأهداف التي تتبناها هذه الجماعة. وبينما يقوم الخطاب الأمريكي بوصف داعش بمصطلحات جدلية، فإن الواقع يقول بأن داعش يدعمها أمرين قويين: أنه كيان سياسي واجتماعي طوباوي (فاضل) وأنها حام قوي للمصالح الطائفية لملايين من السنة العرب في سوريا والعراق والذين يشعرون بالتمييز المنهجي.
سوف تواصل الجماعة جذب الأجانب ما دامت تقنعهم بأنها تسعى لإقامة خلافة إسلامية تكون بديلا عن أشكال الحكومات في المنطقة، ويبدو أنها سوف تواصل دعمها المالي في العراق ما دام العديدون في ظل هذا الحكم يؤمنون بأن السياسيين الشيعة هم الخطر الأكبر على مصالحهم.
وأكثر من الفطنة السياسية، صارت الكثير من الجماعات المسلحة غير الحكومية تضمن الأمن. وقد أدرجت الألوية الإسلامية المسلحة ضمن رواتب الحكومة الليبية بعد الثورة ووفرت الأمن في المستشفيات ومنشئات الحكومة. وعلى الرغم من التزام حماس بمحاربة إسرائيل، فإنها في بعض الأوقات قد منعت إطلاق صواريخ من قبل بعض الجماعات المسلحة الصغيرة، وعن طريق احتكارها للأمن في غزة حدت من أنشطة الخلايا التابعة للقاعدة في غزة والتي من الممكن أن تسبب مزيدا من التهديد. وفي سوريا، يقاتل حزب الله داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة وهو هدف يتداخل مع أهداف الولايات المتحدة.
إن الأفق السياسي لهذه الجماعات هو الذي يفرض تحديات غاية في التعقيد أمام صناع القرار الأمريكي. كما أن تجارب العقود الماضية تقول بأن الجماعات المسلحة غير الحكومية لا يمكن القضاء عليها. يمكن استيعابها ويمكن إضعاف قوتها ولكن بسبب طبيعتها ستظل موجودة، فهم يتكيفون مع العقبات ويستغلون الفرص ويعيدون تقديم أنفسهم للتكيف مع البيئات الجديدة.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن النصر لا يتحقق من خلال هزيمة هذه الجماعات وإنهاء وجودها. وفي المقابل، على الولايات المتحدة أن تعمل على تغيير الظروف السياسية والاجتماعية التي تمكنهم من الظهور. أما كيفية تطوير هياكل دولة تراعي مطالب شعبها وتقدم رؤية لهم فيمثل تحديا كبيرا للجيل التالي في الشرق الأوسط. إذا لم تأخذ الحكومات خطوة إلى الأمام من أجل رؤى جديدة يكون لها صدى لدى شعوبهم، فإن الجماعات المسلحة غير الحكومية سوف تقوم بذلك بدلا عنهم.
نجاحات وإخفاقات مواجهة الإرهاب
صامويل برانين
مع توسع عمليات أوباما العسكرية ضد داعش، فيجب عليه وعلى مستشاريه أن يتأكدوا من التركيز على مدى تأثير العمليات العسكرية التي قاموا بها ضد الجماعات الإرهابية خلال الثلاثة عشر عاما الماضية. فبينما تبقي النجاحات قصيرة الأجل الولايات المتحدة ومواطنيها آمنين من الهجمات – فإن الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لم توقف انتشار التطرف الإسلامي ولم تعالج عدم الاستقرار المتزايد على مستوى الدولة من باكستان وحتى نيجيريا.
إن القدرة المتزايدة للإرهابيين على قتل الناس وتدمير ممتلكاتهم وجذب الانتباه إنما تمثل تحديا استراتيجيا أمام جيل بأكمله. وردا على التهديدات الأكثر إلحاحا، قامت الولايات المتحدة بتنفيذ عدد من الضربات الجوية سواء كانت مباشرة أو عن طريق حلفائها العسكريين وتارة على الأرض وأخرى عبر الجو. إن العمل العسكري ضد داعش هو آخر حملة أمريكية ضد جماعة إرهابية مسلحة تعمل في دولة ضعيفة.
كما أن مناقشة التحدي طويل الأمد لداعش لابد أن يكون بفهم عميق لفائدة القوى العسكرية ضد هذا العدو – الأكثر وضوحا وتكلفة ونشاطا لاستراتيجية أمريكا حتى اليوم. وحقيقي أنه من خلال الابتكار والاستمثار والعزيمة والتضحية عبر المؤسسة الأمنية الوطنية الأمريكية، قامت الولايات المتحدة بتطوير قدرة رائعة لكشف المؤامرات الإرهابية القادمة من الخارج وتعطيلها. فيمكن لأنظمة الطائرات بدون طيار أن تعمل عبر المناطق الجيوغرافية النائية بدون أن يتأذى أمريكي واحد، بينما تقوم القوات الخاصة بأسر أو قتل القيادات البارزة في الدول ذات السيادة سواء بتصريح دبلوماسي أم لا. العدو لا يأمن في أي مكان، ويمكن لمجتمع الاستخبارات الأمريكيةأن يقدم تحذيرا استراتيجيا (إن لم يكن تكتيكيا) لأنشطة العدو.
ولكن، هناك حدود صارمة لما يمكن أن يجره هذا التوجه في محاربة الإرهابة. وأخبر وزير الدفاع الأمريكي تشك هيجل، لجنة الخدمات العسكرية بمجلس النواب في سبتمبر 2014 أن "القوة العسكرية الأمريكية وحدها لا يمكن أن تزيل التهديدات التي تفرضها داعش على الولايات المتحدة وحلفاءنا وأصدقاءنا وشركاءنا في المنطقة."
وعلى الرغم من النجاحات العملية المميزة للحملة العالمية المباشرة من قبل مجتمع الاستخبارات الأمريكية، لا تزال جماعات شبكة الإرهاب المتنامية تجذب المتطوعين وتدربهم وتعيد تقديم قادة وتواصل التمويل وتحصل على مواطئ قدم جديدة. وقد قتل أسامة بن لادن وقتل معه أو أسر المئات من كبار مساعديه وأتباعه ولكن خلال العقد الماضي توسعت الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع توسع هذه الجماعات، يكون انتشار القوات العسكرية الأمريكية ضعيفا. وتبقي الولايات المتحدة على تركيز ثابت على مكافحة الإرهاب وذلك على حساب بعض التحديات الأمنية الأخرى الصعبة وبعض الضرورات الاستراتيجية التي من شأنها أن تكون مهمة خلال السنوات والعقود القادمة.
ولاحظ وزير الدفاع الأمريكي السابق بوب جيتز أن القدرة الكبيرة للجيش الأمريكي يمكن أن تحمله المسؤولية: "إن سياستنا الأمنية الخارجية والقومية قد تم عسكرتها بشكل كبير، فصار استخدام القوة أمر سهل بالنسبة للرئيس." ومع وجود قدرة عسكرية كبيرة رهن إشارة الرئيس وسلطات مكافحة الإرهاب الواسعة في النتائج الرئاسية والسماح الذي حصل عليه الرئيس في 2001 باستخدام القوة العسكرية، فإن هناك تشوها في تحليل التكاليف والفوائد الناجمة عن التدخل العسكري من عدمه. عندما يكون الخيار الأول مهاجمة الشبكة الإرهابية والخيار الثاني هو عدم القيام بشيء فإن الاختيار بينهما ليس صعبا حتى ولو كان مسلما به على المدى القصير.
غير أن اختيار استخدام القوة العسكرية غالبا ما يقوي العدو. وقد طلب وزير الدفاع السابق رامس فيلد من فريق عمله في مذكرة بتاريخ 2003: "هل نقوم بأسر أو قتل أو ردع أو ثني المزيد من الإرهابيين كل يوم أكثر ما تقوم المدارس الدينية ورجال الدين بتجنيدهم وتدريبهم وتوظيفهم ضدنا؟" إذا ما سؤل هذا السؤال اليوم فإن الإجابة عليه تكون مخيفة. دعاية داعش والقاعدة تعتمد على صور من المعارك ضد عدو متفوق وإذكاء الشهور بالإيذاء والظلم. وقد جربت إسرائيل مثل هذه الظاهرة في حملاتها المتعاقبة ضد حزب الله وحماس: فالانتصار في ساحة الحرب يترجم في أفضل الأحوال إلى طريق مسدود وفي أسوأ الأحوال إلى خسارات سياسية في السياق الإقليمي. الجماعات الإرهابية تتغذى على عدم الاستقرار والانهيار الاقتصادي الذي تجلبه الحرب.
إن توجه مكافحة الإرهاب الأكثر فعالية هو أمر مستقيم ومفهوم تماما وقد رأيناه على مدار إدارتين متعاقبتين. وربما كان من الأفضل الموازنة بين استخدام القوة العسكرية على المدى القصير ضد الخصوم الذين يهددون بشكل مباشر المصالح الأمريكية ومصالح حلفائها وشركائها والحاجة إلى مواصلة توجهات أخرى تحد من الانضمام إلى هذه الجماعات ودعمها على المدى المتوسط والطويل.
على مدار السنوات الثلاث عشر الماضية، إضافة إلى نجاحاتها العسكرية، حسنت الولايات المتحدة أمن الحدود والنقل وطورت كذلك أدوات قوية لمكافحة تمويل التهديد. غير أنها وقعت في بعض أوجه القصور. ولكن الخبر الجيد هو أن أوجه القصور تلك قد تم تفهمها جيدا. ووكانت أوجه القصور بشكل كبير في عمليات المعلومات وقوات الأمن المشتركة وبناء قدرات إنفاذ القانون والتطور السياسي والاقتصادي في الدول الضعيفة وكذلك حقوق الإنسان. إن فشلنا في عمل استثمارات ناجهة في هذه المقاط في العراق سيساعد على فهم التحديات الحالية التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفائها – من بينهم الحكومة العراقية – الآن.
وسوف يتطلب التقدم في هذه القضايا اهتماما متواصلا من قبل الرئيس وكبار المستشارين. وعلى مجلس الأمن القومي أن يعير نفس الاهتمام من أجل بناء وممارسة هذه الأدوات كما هو الحال في العمل المباشر على مكافحة الإرهاب. وعلى الكونجرس أيضا أن يعير انتباها للمكونات الضرورية المفقودة لتوجه أفضل لمكافحة الإرهاب. القوة العسكرية تكون ضرورية في بعض الأوقات للرد على التهديدات المتزايدة، ولكنها غير كافية من الناحية الاستراتيجية.
[1] تقرير التوقعات العالمى لعام 2015 يصدر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية وتمت ترجمة الجزء المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط