فورين بوليسي: مصر السيسي تتطور..... مع الديكتاتور

ولكن هل سيستمر الجيش في دعم الرئيس إذا بدأ الاقتصاد يتداعى؟
 

 ثاناسيس كامبانيس: 22 مايو 2015

تشير أحكام الإعدام الفاحشة في مصر خلال عطلة نهاية الأسبوع، ورد الفعل الصامت من الحكومات الغربية، إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد رسخ ائتلاف حاكم سيدفعه للخروج من المرحلة الانتقالية إلى مشروع طويل الأجل لتوطيد السلطة. في خضم حكم قضائي ضد أكثر من 100 متهم - والذي ضم أكاديميين وكبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حتى رئيس مصر المنتخب المدني الوحيد ، محمد مرسي - يعد دليل ساطع على أن السيسي قد قام بعمل تركيبة عملية لحكم مصر. هذه التركيبة قد تكون زائلة على المدى الطويل، ولكن هذا المدى الطويل يمكن أن يكون بعيدا جدا في الواقع.

 

اليوم الأجندة الحاكمة في مصر تدور حول ثلاثة أمور: حملة على "الإرهاب" والمعارضة، والحفاظ على تدفق مستمر من النقد من الملكيات السنية في الخليج، والإصلاحات الاقتصادية المتواضعة التي كحد أدنى تعطي انطباعا بالرؤية والزخم الإيجابي. "الحرب على الإرهاب" التي تقوم بها الحكومة سوف يتردد صداها مع المصريين لبعض الوقت. فمنذ الاطاحة بمرسي في يوليو 2013 تكاثرت الهجمات الجهادية؛ وأحد صحف الوقائع الصادرة عن الحكومة في العام الماضي وثقت قتل أكثر من 700 شخص في الهجمات. كان هناك العشرات، وكان معظم المستهدفين من قوات الامن والمنشآت الحكومية.

 

وقد رفض الشعب الهجمات بالقنابل على الشرطة والجيش والجهات الحكومية الأخرى. وحتى معظم جماعة الإخوان المسلمين من أنصار مرسي المخلوع أدانوا أيضا التمرد وتكتيكاته الإرهابية. كأيديولوجية موحدة للدولة المصرية، قد لا تكفي حربا على الإرهاب - لكنها ستقطع شوطا طويلا لتعبئة ما قد يكون الدعم الفاتر على خلاف ذلك للسيسي والجيش. وفي ملاحقتها لحربها على الإرهاب، جمعت مصر الإخوان مسلم جنبا إلى جنب مع الجهاديين أنصار بيت المقدس - مساويةً معارضة الإسلام السياسي مع التفجيرات والاغتيالات. وقال السيسي لصحيفة واشنطن بوست في مارس اذار "إن الإخوان المسلمين هي المنظمة الأم للأيديولوجية المتطرفة". واضاف "انهم عرابو جميع المنظمات الإرهابية. وينشرونها في جميع انحاء العالم ".

 

ربما يكون دافع السيسي هو الإيمان الصادق بأن التيار الإسلامي كله مسئول مسؤولية تضامنية عن الهجمات الأخيرة، أو ربما قام بحسابات ساخرة قدر فيها أن موجة العنف تتيح له فرصة للقضاء على المعارضة الإسلامية المعتدلة تحت غطاء مكافحة التمرد. وقد أعطت المعركة ضد الإسلاميين السيسي بعض الشرعية - ولكنها ليست ما أوصله إلى السلطة. لأنه يعول على أموال الخليج، وهي شرط مسبق أولي للانقلاب الذي أطاح بالرئيس مرسي. كما سمعنا بقدر كبير من التفصيل على التسجيلات المسربة من مكتب رئيس أركان السيسي، حيث أوضح الرئيس انه يتوقع ان المليارات تتدفق بلا هوادة من المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج: "يا رجل، لديهم المال مثل الأرز " الرجل التي تبدو على إنها من مقولات السيسي الشهيرة  في واحدة من التسريبات.

 

قد يبدو هذا مثل ابتزاز قطاع الطرق، لكنه أيضا سياسة الداهية. السيسي يعترف بأن على الخليج أن يتحمل تكاليف مصر، وأنه على استعداد لدفع 10 مليارات دولار أو أكثر في السنة لحليف يمكن الاعتماد عليها في القاهرة. فمصر تكافح لاستيراد ما يكفي من الوقود وأساسيات المواد الغذائية للحفاظ على سير الدولة وهدوء الفقراء؛ بدون مال الخليج، فإن انقطاع التيار الكهربائي في فصل الصيف من المحتمل أن يتحول إلى انقطاع طويل المدى.
 

 

حكام مصر يخشون تاريخيا من "ثورة الجياع" لو انحطت الظروف للكثير من الفقراء في البلاد.
الإصلاح الاقتصادي، وآخر قطعة من التركيبة، وهي الأكثر خداعا. أصبح واضحا أن طرق السيسي استبدادية، ودائرة المحاباة من المستشارين العسكريين الضيقة سوف تحول دون الحكم الإبداعي. ولكن في الوقت الذي أضحى الإصلاح الكبير خارج الحسابات، يتم إدخال تحسينات تدريجية على نظام الدعم يمكن أن يساعد السيسي على نحو كاف على المدى المتوسط. وفي الوقت نفسه، يتباهى بأداء مسرحي مثل إنشاء العاصمة الجديدة بتكلفة 45 مليار دولار المخطط لها في الصحراء خارج القاهرة - وخدعة تكتلات البناء الإماراتية التي ربما لن يتم بناءها - والمساكن العامة المقترحة الضخمة، والري، ومشاريع أعمال الطرق تعطي انطباعا بأن الأمة تخطو نحو الأمام.

 

 

حتى لو تحقق جزء صغير من هذه المشاريع، سيرسخ السيسي دعمًا عميقًا في بعض الأوساط. فأصحاب الأعمال الأثرياء والطبقة المتوسطة الصغيرة ولكنها مؤثرة سياسيا سيظل كليهما مضمونين في زاوية السيسي، ويمكن أن تستفيد من تطوير البنية التحتية. الجيش أيضا يلعب دورا رئيسيا في مشاريع البناء على نطاق واسع، وإذا وزعت بدهاء، فإن المساكن الجديدة أو المزايا الأخرى يمكن أن تحيد بعض الواحات المحتملة القليلة من المعارضة السياسية المنظمة، مثل عمال المصانع في منطقة مدن قناة السويس ودلتا النيل. 

 

على الرغم من ذلك، فإن الاستقرار المتوسط الأجل لنظام السيسي يمكن أن يؤدي إلى المزيد من المتاعب لمصر على الطريق. فسياساته القمعية لا تشفي علل كثيرة في البلاد، بل ومضمون أنها تدفع مصر إلى وضع أسوأ حتى من ذلك الذي  انتفضت بسببه ضد حسني مبارك في يناير كانون الثاني عام 2011. وتؤكد الأحداث الأخيرة أسلوب جنون عظمة السيسي، الذي ظهر في عطلة نهاية الأسبوع من خلال حظر روابط جماهير كرة القدم المعروفة باسم ألتراس والحكم على أستاذ العلوم السياسية المنفى عماد شاهين بالإعدام. وقال شاهين في بيان إن المحاكمات الصورية هي جهد محوري للسيسي "لإعادة تشكيل أمن الدولة وتخويف كل المعارضين". نمط المحاكمات يناسب هذه الحجة. اذا وسعت الحكومة من اختياراته بما فيه الكفاية، فإنه لا داعي للقلق حول احتجاجات اتحاد الطلاب أو الأساتذة الجامعيين الخطرين، لأنه سيتم إخافة غالبية المصريين ليصمتوا.

 

أسلوب جنون عظمة السيسي يبدو أنه نتاج رؤية متماسكة بين الأجهزة الأمنية المنقسمة في مصر، والتي تظهر وحدة الهدف في تنفيذ حملة ضد كل المعارضة السياسية. الجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات، والمحاكم يسعون معا لتنفيذ رؤية الحكومة السياسية - مما يعد إنجازا بيروقراطيًا مثيرًا للإعجاب، ولكن ذلك ينذر بالسوء للإصلاح الديمقراطي. ومن سلبيات نهج الحكم الدكتاتوري الجديد أنه مدمر لمصر على مدى فترة زمنية طويلة. تأمين التعاون البيروقراطي المقسم ليس مثل السيطرة عليه: السيسي لديه المحاكم إلى جنبه ببراعة، ولكن على حساب سمعتهم. كانت المحاكم قد حرضت بوضوح على الحكم العسكري، وعلى حل البرلمان المنتخب بذرائع واهية، وبإبعاد مرشحي الرئاسة الشعبيين، والتصديق على القوانين الانتخابية التي تخدم الأهداف العسكرية.

 

ونتيجة لهذه المكائد، لا أحد سيكون قادرا على آخذ القضاء على محمل الجد كفرع من الحكومة - والحاكم في المستقبل، حتى الأوثوقراطي غير المنتخب، الذي يريد استعادة بعض مظاهر سيادة القانون سيواجه بمهمة إعادة بناء شاقة . وزاد الطين بلة في الوقت الحالي، مع تعيين أحمد زند منصب وزير العدل: رئيس "نادي القضاة" ذو النفوذ الكبير والذي قال جملته الشهيرة ببرنامج تلفزيوني أن القضاة "هم السادة في وطننا، والأخرين هم عبيد ".

 

الجيش الذي مهد الطريق للسيسي إلى السلطة، لا يزال دائرة الأم الوحيدة للرئيس. ولكن ليس هناك أدلة تشير إلى أنه في حال حدوث أزمة، في حالة الانهيار الاقتصادي أو الانتفاضة الشعبية الواسعة - فإن جنرالات مصر سيضحون بالامتيازات المؤسسية الخاصة بهم لحماية السيسي. يجب حتى على الحكام المستبدين أن يقوموا بأدوار سياسة للاحتفاظ بالسلطة، وتهدئة المنظمات والدوائر الرئيسية التي تدعمهم. تحت حكم الديكتاتور السابق حسني مبارك، كان على الجيش التنافس ضد الشرطة والمخابرات، ودائرة العمالقة في ميادين الأعمال حول الأسرة الحاكمة لمنحهم الإكراميات. واليوم، الجيش يملك القوة غير المقيدة، التي من المرجح أن تؤدي إلى المزيد من الفساد وغياب المساءلة، والفشل التسلسلي لإنجاز الأعمال الأساسية والتي تعد الخبز والزبدة للدولة.

 

وهذا العجز يؤثر سلبا على الحرب على الإرهاب ذاتها التي يبني السيسي عليها شرعيته. الجهاديون يعملون بشكل علني من سيناء، ولكن وفقا لبعض التقارير المستقلة التي تخرج من شبه الجزيرة، فقد استخدم الجيش جنودا مدربين تدريبا جيدا وتكتيكات الأرض المحروقة في الانتقام، بالإضافة إلى قصف المدن والاعتقال العشوائي للرجال في حين يهرب الجهاديون الفعليون. كما أنهم يحاولون  إدانة الرجال عن جرائم التي ربما لم يرتكبوها.

يواجه السيسي أيضا تهديدات أخرى على المدى الطويل ليست وحدها من صنعه. وتشمل هذه الميزانية والإعانات المكلفة للغاية للحفاظ عليها والحاسمة جدا للقضاء عليها دون تفكك إجتماعي هائل وبطالة متزايدة، وعدم كفاية المياه لأغراض الزراعة في ظل ممارسات الاستخدام الحالية. 
في نهاية المطاف، فإن أي إصلاح اقتصادي يعتمد على الضغوط الخارجية - صيغة لا تعمل عندما تكون الولايات المتحدة المانح الأساسي. ربما سيكون المستشارون الماليون من دولة الإمارات العربية المتحدة أفضل حظا لأنهم يحاولون تنفيذ ممارسات أفضل في الوزارات والمكاتب الحكومية التي من شأنها أن تمتص أكثر من32 مليار دولار من دول الخليج منذ انقلاب السيسي. إذا كانت هذه المبالغ الضخمة لا يمكنها شراء النفوذ السياسي ذو مغزى أو غرس الممارسات الاقتصادية السليمة، فلن يقدر أي قدر من الأموال الأجنبية على ذلك.

 

النظام الجديد غير قادر بشكل واضح على حل هذه التحديات، ولكن يشير التاريخ إلى أن سوء الإدارة يمكن أن يستمر لفترة طويلة. وفي الواقع، ولعل الخطر الأكبر على مصر هو أن السيسي أوحل طريقه. هناك شقوق بالتأكيد داخل النظام، لكنه لا يحتاج إلى نخبة حاكمة متجانسة: انه يحتاج ما يكفي من السلطة  للبقاء في موقع المسؤولية، والدعم الدولي الكافي لتجاهل غضب المصريين الذين يريدون الحقوق المدنية والحرية السياسية، وتنمية اقتصادية حقيقية.