(حاتم بزيان) – 15 يونيو 2015
استقبل الأزهر رسميا ماري لوبان رئيسة أكبر حزب يميني متطرف في فرنسا (حزب الجبهة الوطنية) فيما يعد نقطة الحضيض التي وصلت لها المؤسسة السنية المبجلة، ففي الوقت الذي تشن فيه لوبان حملة معادية للإسلام وللأجانب من غير الفرنسيين ضد المهاجرين من جنوب افريقيا ومن المسلمين المنزوع حقوقهم، تضيف تلك الزيارة إلى رصيد رئيسة الحزب ذات الأصول المنتمية للنازية الجديدة والمدافعة عن سياسات تفضيل البيض والسياسات العرقية، وخرج الأزهر مبررا الزيارة كونها من باب "فتح الباب للحوار البناء مع كل التيارات والمذاهب الفكرية بهدف إعلاء مصالح المسلمين في أنحاء العالم" وأضاف البيان أن "شيخ الأزهر أحمد الطيب قد وافق على الزيارة بطلب من ماري لوبان رئيس حزب الجبهة الوطنية السياسي"،
ومن جانبها كتبت لوبان على تويتر عن زيارتها قائلة: "في زيارة بالقاهرة لأكبر سلطة سنية: موافقة تامة على الحرب ضد التطرف"، وجاء في البيان الصحفي الصادر عن الأزهر أن الاجتماع كان "لمناقشة الأمور المتعلقة بالأفكار والمفاهيم المغلوطة عن الإسلام والأيدولوجيات المتطرفة والتمييز العرقي التي يعاني منها المسلمون في أوروبا"، كما قال البيان أيضا أن الطيب قد أنذر لوبان من مغبة "آرائها المعادية" للإسلام وقال أنها بحاجة للمراجعة والتصحيح، وأن الأزهر لديه "مشكلة جدية" مع مواقف حزب الجبهة الوطنية من هذا الأمر، ومن الواضح أن الأزهر ولوبان أصدرا بيانان مخالفان بعد الزيارة وكان كل منهما يحاول تحجيم الخسائر قدر المستطاع حيث لاقت الزيارة أصداء سلبية للغاية في الأوساط الفرنسية، حيث انتقد قادة ومؤيدي حزب الجبهة الوطنية زيارة لوبان وأدانوها، وبالمثل فإن الإعلام العربي انتقد الزيارة بشدة ودار جدل حول الاستقبال الرسمي لشخصية معادية للإسلام، فقد كان استقبال الأزهر ل(لوبان) خطأ فادحا وإقحام للأزهر للمرة الثانية في الجدل الداخلي الفرنسي حول المجتمعات المسلمة وأحوالها داخل فرنسا ، ولطالما عارض قادة حزب الجبهة الوطنية دور ومكانة المسلمين والمهاجرين من جنوب أفريقيا في المجتمع الفرنسي وكذلك طالبوا بفرض قيود أكبر على الهجرة، وتسعى لوبان للحصول على غطاء إعلامي من المسلمين لدعم حملة ترشحها للرئاسة وتسعى كذلك لإعادة تشكيل صورتها كأحد أعمدة الفكر المعادي للأجانب في محاولة منها لاسترضاء الناخبين المستقلين وحاملي فكر الوسط اليميني، فكان الهدف من الزيارة هو تحقيق هذه الغاية وأيضا إقحام الأزهر مرة أخرى في الجدل الدائر حول أحوال مسلمي فرنسا، يذكر أنه في عام 2003، دافع الأزهر عن قانون تحريم النقاب في فرنسا وأصدر فتوى تجيز القانون المقترح والتي نالت حينها رضا واسع، وصدرت تلك الفتوى عن شيخ الأزهر حينها محمد سيد طنطاوي وكان قد أعلنها خلال زيارة لوزير الداخلية الفرنسي نيكولاس ساركوزي لمصر.
وكان ساركوزي مرشحا للرئاسة حينها وكانت سياسات معاداة الإسلام والمهاجرين ركنا أساسيا من حملته الدعائية، وقام الأزهر بتوفير الدعم الممثل عن الإسلام حينها وأعطى ساركوزي فسحة للتحول قليلا إلى اليمين وتوجيه عاطفة المعاداة للإسلام والمهاجرين إلى أصوات في صناديق الاقتراع، ولوبان تقتفي أثر ساركوزي خطوة بخطوة، لكن الخلاف تلك المرة أشد بكثير والتلويح بمعضلة المسلمين قد صارت جزءا لا يتجزأ من الحياة السياسية الفرنسية، هل يستطيع المسلمون أن يصبحوا فرنسيين حقيقين مع تمسكهم بهويتهم الدينية؟ أعطت هجمات شارلي هبدو الفرصة ل(لوبان) وحزب الجبهة الديمقراطية لعرض أنفسهم كمدافعين عن القيم العلمانية الفرنسية بالتزامن مع قيامهم بعرض قضية مسلمي فرنسا كقضية محورية.
لذا فإن محاولة لوبان وساركوزي من قبلها الحصول على مباركة الأزهر تهدف في الواقع إلى حرمان مسلمي فرنسا حق تكوين مؤسسة خاصة بهم وحرمان لهم من الحقوق الأساسية لتمثيل أنفسهم وحقوق المساواة في المواطنة والقدرة على التعبير عن أنفسهم في مجتمع يحترم الديمقراطية والعلمانية، بالإضافة إلى أن المطالبة بالفصل بين الكنيسة أو المسجد وبين الدولة هو أمر مركزي فيما يتعلق بالحديث السياسي الفرنسي، إلا أن زيارة لوبان وساركوزي تهدف إلى إقحام الأزهر في الشأن الداخلي الفرنسي، وهو ما يظهر أنهما يطبقان هذا المطلب فقط عندما يكون الأمر على هواهم، كل ذلك على حساب الضعفاء والأقليات المسلمة المهمشة.
وزيارة لوبان للأزهر بهدف إقحامه في الشأن الداخلي الفرنسي إن دلت فإنما تدل بالفعل والقول على عدم المساواة التي يلاقيها مسلمي فرنسا، مسلمو فرنسا هم مواطنون قادرون على تقرير مصيرهم بأنفسهم وعلى العيش في مجتمع متقدم صناعي ديمقراطي علماني بكل تعقيدات الحياة الدينية، دون الحاجة إلى الجبهة الوطنية لتذهب وتطلب الفتوى من أجل أهداف انتخابية، وما ينتظر من الأزهر هو رفضه أن يلعب مثل تلك الأدوار السياسية التي تؤدي إلى تهميش الأقلية المسلمة أكثر وأكثر، خاصة عندما يطرق بابه زائر يحمل فكر النازية الجديدة، وإن أرادت لوبان أن تتعلم المزيد عن الإسلام فبإمكانها أن تسأل من بين 5 ملايين فرنسي مسلم ممن سيحدثونها بلسان فرنسي لا لغط فيه عن دينهم وثقافاتهم وقيمهم، ويبقى السؤال، هل ستستمع إليهم لوبان أو تراهم كأكفاء لها؟