أسوشيتد برس: بعد عام في منصبه, السيسي يتبع طريقة الحاكم الأوحد

جاءت كلمات مقدم البرنامج التليفزيوني الموالي للحكومة حاسمة بما لا يدع مجال للشك، حيث أخبر مستمعيه أن الرئيس عبد الفتاح السيسي "يعني مصر" وأن المصريين إما معه وإما هم أعداء للوطن، حيث خرج مقدم البرامج التليفزيونية تامر أمين ليقول "اللي مش عاجبه العيشة في البلد دي ياخد باسبوره ويورينا عرض اكتافه" متحدثا أنه لا يجب أن يشكو أحد من ارتفاع الأسعار أو انقطاع التيار الكهربي أو أي مشاكل أخرى،

بعد سنة من تولي الرئيس الذي تحول من عسكري إلى سياسي وفاز بأغلبية كاسحة، قام السيسي بإخراس معارضيه في تلك السنة ولا زال يحاول إدارة البلاد على طريقة الحاكم الأوحد، وهو ما يتعارض بشدة مع أحلام الملايين التي خرجت لتطيح بحسني مبارك في ثورة 2011 الاستثنائية،
ومصر التي بلغ سكانها حوالي 90 مليون نسمة لم يعد لها برلمان منذ عام 2012، بينما تنحت الأحزاب السياسية جانبا وتم تأجيل الانتخابات التشريعية أكثر من مرة، مما يعني أنه لا توجد أي نقاش حقيقي حول سياسات البلاد، فالقوانين برمتها تصدر عن الرئاسة،

 

بينما تتعامل قوات الأمن وشركات التأمين كأنها محصنة ضد القانون مع المعارضين وأي من يحاول تنفيذ نشاط سياسي غير مرغوب به، ويقول الناشطون الحقوقيون أن معدلات حالات التعذيب والاعتداءات والاعتقالات التعسفية تعدت حتى فترة ال29 عاما من حكم مبارك، حيث أخرس قانون التظاهر الذي تم تطبيقه آخر 2013 المظاهرات بالشوارع،كما ساعد القضاء الأجهزة الأمنية بطرق لم يعهدها نظام مبارك، حيث قامت المحاكم بإصدار أحكام إعدام بالجملة- أي ما يقارب 1500 حكم حسب بعض التقديرات- على الإسلاميين الذين قضى بعضهم حوالي 2 عامان في السجن بعد موجة القمع التي طالت الإخوان المسلمون، كما تم سجن الناشطين اليساريين والعلمانيين المؤيدين للديمقراطية كذلك، وأصدر الحكم على بعضهم بالسجن لسنوات طوال كعقوبة لتظاهرة سلمية محدودة، وقال المحلل الشهير المعروف بقربه من الجيش عبد الله السيناوي في مقالته الأسبوع الماضي إن "لا أحد يعلم ما إذا كنا على الطريق الصحيح أو إن كان هناك من أمل في آخر النفق" واستمر بنقد مواقف السيسي بشدة في مقالته،

وأضاف أن السيسي "لا يملك عصا سحرية لحل المشاكل المستعصية" لكن على السيسي أن يبذل المزيد من الجهد لفصل نفسه عن فترة مبارك، وأشار إلى أن رجال أعمال مبارك قد استعادوا سطوتهم وحصانتهم التي تمتعوا بها قبل ذلك في ظل حكم مبارك، صار السيسي أقوى شخصية في مصر حينما قام بصفته قائد الجيش بالإطاحة عسكريا بأول رئيس مصري منتخب بانتخابات حرة محمد مرسي، بعد خروج مظاهرات واسعة تحتج على محمد مرسي وعلى هيمنة جماعة الإخوان المسلمين، ثم نشبت حملة أمنية دموية نتج عنها موت المئات من الإسلاميين، وبعد أن مدح بوصفه البطل الذي خلص البلاد من الإخوان، تعهد السيسي بتحقيق الأمن وإصلاح الاقتصاد مصرحا بوضوح أن المطالبة بالحقوق والجدل السياسي الذي لا طائل منه لا يمكن السماح به لتأثيره السلبي على هذه الأهداف، وهذه الرسالة قد ضمنت له الفوز بانتخابات الرئاسة ومن ثم تولى منصبه في 8 يونيو/ حزيران 2014،

ولازال يتمتع إلى الآن بالشعبية بين قطاعات عريضة من الشعب الذين يرونه كالشخصية الوحيدة القوية القادرة على القيادة، والمعارضة الوحيدة التي يتلقاها علنا تكاد لا تأتي إلا من مؤيدين مثل السيناوي لينذروه بأن عليه تحقيق إنجازات وتغييرات تظهر للعامة، واختلفت الآراء حول ما إذا كان السيسي يساند إخماد أي معارضة أو أنه لا يمكنه فرض إرادته على مراكز القوى المتعددة في الدولة المصرية والتي يحتاجها لدعمه لكنها لديه أجندتها الخاصة مثل القضاء والإعلام ورجال الأعمال الأثرياء والأجهزة الأمنية، حيث نشر إبراهيم عيسى المعلق القريب من الحكومة مقال هذا الأسبوع بعنوان "مؤسسات الدولة هي المعارضة الأقوي وأكثرها خطرا على السيسي"  حيث قال في مقاله أن " ما يقوله الرئيس شيئا وما يحدث على الأرض شيء آخر" الذي نشر في صحيفة (المقال)، ويؤكد عيسى على قوة وصلابة "الدولة العميقة"، وهو المصطلح الذي يستخدمه الناشطين المؤيدين للديمقراطية للإشارة إلى أجهزة تتحكم بمفاصل الدولة مثل الجيش والشرطة والقضاء وتملك سلطة ومصالح مستقلة، والسيسي ليس دخيلا على هذه الدولة العميقة إلا أن مطالبه المتكررة بالتغيير والعمل الجاد وتحذيراته من أن الازدهار لن يأتي في يوم وليلة، كل ذلك قد يتعارض مع مصالح تلك المؤسسات،

فالسيسي قد أحدث بعض التحسن للاقتصاد، وعلاقة مصر مع الولايات المتحدة وأوروبا قد تحسنت بعد فترة من التوتر، وهو التغيير الذي يعزى إلى حد كبير إلى وقوف السيسي في مواجهة الميليشات الإسلامية في المنطقة، ومصر السيسي قد صارت أكثر حميمية في علاقاتها مع السعودية والإمارات والكويت مما در مليارات الدولارات في صورة معونات كانت في أمس الحاجة إليها، والسيسي قد قام إلى جانب مواجهته للميليشات بالدعوة لإصلاح الخطاب الديني الإسلامي والقضاء على التطرف واستبداله بممارسات معتدلة، وكان هو القوة الدافعة للجهود المبذولة لتشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة لقتال التطرف،

إلا أن الأمن كان صعب التحقيق، فالجيش والشرطة يحاربون الميليشيات الإسلامية المتمركزة في شبه جزيرة سيناء، وحدثت بعض التفجيرات المتكررة الصغيرة نسبيا إلا أنها مميتة أحيانا موجهة ضد قوات الأمن في القاهرة ومناطق أخرى من البلاد، فرسالة "الحرب على الإرهاب" قد أطلقت يد أجهزة الأمن وعضدت الرسالة التي ينقلها التلفاز عن أن الوقت ليس مناسبا للمعارضة، فمؤيدي عدم التغيير في الإعلام يشيطنون المعارضين ويتهمونهم بالخيانة أو التمويل الأجنبي، وقامت قناة تليفزيونية بنشر تسجيلات لمكالمات هاتفية بين ناشطين سياسيين وقائدي حملات حقوقية، سربتها غالبا أجهزة الأمن، في محاولة لتشويه المعارضة، فمقدمي البرامج أو البرامج نفسها التي لا تساند الحكومة يتم إلغاؤها فورا، والمنظمات غير الحكومية التي حازت حرية أكبر أثناء حكم مبارك تعاني من التدخل الأمني الشديد وفي بعض الحالات يتم وقف أنشطتها المشكوك فيها، وغادرت عدة مؤسسات حقوقية مصر بالكامل، وتم التحقيق ثلاث مرات مع نجاد برعي المحامي الحقوقي البارز على مدار الأسبوعين الماضيين على خلفية قيامه وناشطين آخرين بكتابة مقترح قانون يجرم التعذيب وارساله إلى مكتب السيسي، ويتوقع أن يتم تأديب القاضيين اللذان تم استشارتهما أثناء كتابة مسودة القانون بواسطة السلطات القضائية، وقال البرعي "إن مصابنا جلل، ففي مصر الجريمة الوحيدة التي تمر دون عقاب هي التعذيب"،

وخرج بعض مؤيدي السيسي منادين بإلغاء أو تعديل قانون التظاهر الذي يمنع أي تظاهرة دون إذن مسبق من الشرطة، إلا أن السيسي قام بالتمسك بهذا القانون إلى أقصى حد، وقال مؤيدي القانون إنه يمنع التظاهرات المستمرة التي عطلت الحياة منذ 2011، فبعد أن قامت محكمة بتبرأة مجموعة من النشطاء في سابقة من نوعها ، قامت النيابة بالاستئناف فورا مما يظهر مدى انعدام التساهل لدي السلطات، وكان النشطاء قد اتهمو على خلفية تجمع محدود في يناير بالقاهرة قامت الشرطة أثناؤه بإطلاق النار وقتل أحدهم وكانت أم صغيرة السن، وقال محمد عبد العزيز ممثل الدفاع أن "الاتجاه السائد –من جهة القضاء- هو محاولة إدانة المتهمين وليس الحكم بالبراءة"،

ولتخويف أي معارضين تقوم النيابة بالتحقيق في أي بلاغ من "مواطن قلق" ضد أي شخص يشتبه بتأييده للإسلاميين أو معارضته لأحكام القضاء أو الرئاسة أو الدين -فكل هذه جرائم بحد ذاتها، ورفع إشارة رابعة المعبرة عن تأييد الإخوان المسلمون الذين تم تجريمهم ووسمهم بالإرهابيين قد أدى إلى محاكمات وأحكام بالسجن، ومع حرص السلطات على إظهار مساندتها لاحترام الأديان رغم قمعها للإسلاميين، قامت باعتقال اشخاص لحديثهم بسوء عن الإسلام أو إعلان الإلحاد على صفحات الإنترنت، ومع صعود السيسي للسلطة، شهدت مصر موجة من الوطنية العارمة التي لم تشهدها منذ حروبها مع إسرائيل في 1948 و1973، وتم تغذية العاطفة بادعاءات لا حصر لها عن كون أمريكا تدعم الإخوان وأن الناشطين العلمانيين المؤيدين للديمقراطية يتم تمويلهم من قبل قوى أجنبية لزعزعة استقرار مصر،
 

فالسيسي الذي يعتمد مبدأ الواقعية مع لمسات ميلودرامية يغذي تلك العاطفية بلمسات شخصية وتحذيرات من أن مصر قد واجهت عددا من المخاطر التي تهدد وجودها،  وشعاره الدائم "تحيا مصر" يختتم به خطاباته دوما حتى أنه قد كتبه على طائرته الرئاسية، ووفقا للمتحدث الرسمي الخاص به فإنه قال أثناء اجتماعه مع قادة الأحزاب أن الانتخابات البرلمانية سيتم عقدها نهاية العام، لكنه أخبرهم أيضا أنه سيدعم تحالفا يجمع كل الأحزاب، مما يعني أنه لا يرغب برؤية تكتل للمعارضة في البرلمان القادم، وقال أحمد عبد ربه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في مقال مؤخرا: "لقد اختفت المؤسسة التشريعية في البلاد، وتجمد النشاط السياسي ولم يتبق في المشهد سوى السيسي".