الإيكونوميست: سكان مصر: الهلال الخصب أكثر مما ينبغي

 7 يونيو  2015

تحدي مواجهة خصوبة مصر المتزايدة

يجد سائقو الدراجات النارية أنفسهم عالقين في الزحام الشديد على طريق صلاح سالم السريع في حين أنهم لا يحتاجون إلا لرفع أبصارهم قليلا للوصول إلى سبب معاناتهم، ليجدوها مطلة على الطريق، العداد الديجيتال الأحمر على مبني الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حيث ينقل تعداد سكان مصر الفعلي لحظة بلحظة: أي أكثر من 88 مليون على الشاشة وآخذ في الزيادة، وغرد أحد السائقين مشدوها قائلا إنه خلال فترة انتظار أثناء الزحام لم تزد عن عشر دقائق في أبريل/ نيسان زاد العدد بمقدار 21 أمام عينيه.

والزيادة السكانية في الشرق الأوسط على الرغم من تجاوزها لكل المعدلات ما عدا جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، إلا أنها بدأت بالتباطؤ نظرا لانخفاض معدلات الخصوبة، وهي المقياس الديموغرافي لعدد الأطفال الذي يرجح أن تلده امرأة، لكن بعد 50 عاما من الانخفاض، عادت معدلات الخصوبة في مصر التي تعد أكثر بلدان المنطقة سكانا، عادت للارتفاع لتصل ل 3.5، وهو المعدل الأقل من العراق واليمن حيث تبلغ عندهم أكثر من 4، والأكثر من السعودية ومن إيران التي لديها ثاني أكبر تعداد سكان في المنطقة يصل ل 77 مليون نسمة، ومع سقوط معدلات وفيات المواليد وزيادة معدلات متوسط عمر الفرد فإن السكان سيستمرون بالنماء بوتيرة أسرع.

ويقول أحد الباحثين بالقاهرة أن هذا الوضع سيكون "كارثيا"، وتتنبأ الأمم المتحدة أنه بحلول 2050 ستصير مصر موطنا ل 140 مليون شخصا، في الوقت الذي يعيش فيه السكان بمصر على نسبة 5% فقط من مساحة مصر على ضفاف النيل والسواحل لأن الباقي عبارة عن صحراء، ويقول عاطف الشيتاني مقرر مجلس تنظيم الأسرة بوزارة الصحة إن مصر ستتجنب مصير تصنيفها كدولة فقيرة بالمياه فقط إن وصل التعداد إلى أقل من 55 مليون نسمة، حيث لن تصل إلى النسبة المقبولة وهي 1000 متر مكعب من المياه لكل شخص في العام، بينما تعمل المدارس والمستشفيات المتهالكة فوق طاقتها.

وقد قام حسني مبارك الذي حكم مصر ل 30 عاما منذ 1981 بإطلاق حملة لتقليل معدل الخصوبة إلى 2.1، وهو الحد الذي يبقي على استقرار شبه متماسك لمعدلات السكان، وقد انخفضت المعدلات بحلول 2005 إلى 3 إلا أنها لم تتزحزح من حينها، فسياسات تنظيم السكان قد تاهت وسط الفوضى التي تلت الثورة، وحينما قام عبد الفتاح السيسي الذي تولى البلاد بعد انقلاب عسكري منذ عامين بتعيين أول وزير للسكان في مارس/ آذار الدكتورة البارزة هالة يوسف، استبشر الكثيرين بانفراجه جديدة.

إلا أن المسؤولون في دولة تغشاها الوطنية الحامية لا يرغبون بقبول حقيقة أن التضخم السكاني يمكنه أن يشكل معضلة، ونشرت استراتيجية محلية في عهد السيسي في أكتوبر/ تشرين دون التطرق لوضع هدف لمعدلات الخصوبة، إلا أن بعض المسؤولون ذكروا أرقاما مثل 2.4 بحلول 2030، ولم تزد عن التأكيد على القيام باختيارات مستبصرة، بينما تعد الحكومة بتحسين خدمات تنظيم الأسرة وتشجيع الفتيات على البقاء بالمدارس لفترة أطول، وتقوم الحكومة بصرف مبالغ من المال للأسر الفقيرة على أمل أنهم سيتوقفو عن اللجوء إلى أطفالهم كمصادر مرتقبة للدخل.

ويذكر أن استخدام موانع الحمل قد انخفض قليلا أثناء الفترة التي ارتفعت خلالها معدلات الخصوبة، لكن الجهل لم يكن هو السبب فالاستطلاعات توضح أن 99% من النساء المصريات على علم بموانع الحمل، فواقع الأمر أن المصريين يريدون-ببساطة- أسرا أكبر، ولازال الريف يحوي النسبة الأكبر من الأطفال، على الرغم من استجابتهم لدعوات تخفيض السكان مما أدى إلى انخفاض المعدل في السابق، ووفقا لداليا عبد الحميد عضوة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية المنظمة غير الحكومية أنه على النقيض فإن " الطبقة الوسطى الحضرية لطالما اتبعت نهج الثلاثة أطفال السائد".

فإقناع الزوجان بإنجاب عدد اقل من الأطفال لهو أكثر صعوبة بكثير من توزيع الواق العازل، ولن تجد من يحب تدخل الحكومة في خصوصياته، إلا أن معدل الخصوبة يميل إلى الانخفاض في معظم الدول تقريبا كلما زادت ثروة الأفراد وكانت الإناث على قدر أفضل من التعليم، ففي إيران وصل المعدل من 6.5 عام 1980 إلى 1.9 في يومنا هذا كنتيجة لتنامي الاقتصاد والدعم الكبير من الحكومة لتنظيم النسل، فالحكومة كانت تحث الرجال على استئصال الأسهر لمنع الحمل من الأساس، والآن تعاني محاولة إقناع النساء إنجاب المزيد من الأطفال.

فمعدل المواليد المتزايد سيسلب من مصر بعض مكاسبها الديموغرافية المتوقعة، ذلك أن هناك ميزة اقتصادية لوجود عدد قليل من كبار السن والأطفال مقارنة بعدد البالغين القادرين على العمل، وقال جيمي نضال روج ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر إن "إيفاء مطالب هذا العدد من السكان سيتطلب نماء اقتصادا قويا ومستداما وسياسات تضمن عدالة التوزيع" ولسوء حظ مصر فإن الوصول بمؤشرات الاقتصاد لمرحلة النماء بالوتيرة المطلوبة بنفس الصعوبة التي تواجه جهود خفض معدلات الخصوبة.