بروجيكت سينديكيت: الموتى الأحياء في مصر

عمر عاشور  – 3 يونيو 2015 

القاهرة- ترتبط أحكام الإعدامات الجماعية في الأذهان بأنظمة حاكمة كالنازية التي قادها أدولف هتلر أو حزب الخمير الحمر بقيادة بول بوت. لكن النظام المصري قد لحق بركب هذه الأنظمة بعد ترتيبه لمحاكمات مسرحية بأحكام مسبقة، ففي إحدى تلك القضايا في مارس/ أذار 2014 صدر 529 حكم بالإعدام، وفي قضية أخري في أبريل/ نيسان 683 حكما بالإعدام، ولا يبدو أن تلك النزعة ستهدأ في القريب العاجل.
فخلال الشهر الماضي، تم إصدار 107 حكم بالإعدام على 107 شخص من ضمنهم محمد مرسي أول رئيس مصري بانتخابات نزيهة، على خلفية اتهامهم بالاشتراك في عملية "اقتحام السجون" الموسعة التي تمت أثناء ثورة يناير 2011 ضد الرئيس السابق حسني مبارك، بالإضافة إلى اتهام مرسي أيضا "بالتخابر مع جهات أجنبية" أي مع حزب الله وحركة حماس، بهدف تحرير مساجين سياسيين في مصر.
بعدها بقليل تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق 6 متهمين في قضية "عرب شركس" الذين قد حكم عليهم في أكتوبر/ تشرين 2014 على خلفية اتهامهم باقتحام مراكز شرطة، رغم الغضب الشعبي والمحلي من طريقة سير المحاكمة المشينة، ووفقا لأحمد حلمي المحامي عن 4 من الستة فالحكومة أرادت أن "ترسل رسالة بعد الحكم على مرسي" مفادها أن الحكومة لن تتورع عن تنفيذ تلك الأحكام. وأضاف أن موكليه وغيرهم ليسوا سوى "كبش فداء".
وقد أصدرت المحاكم المدنية المصرية ما مجمله يربو عن 1000 حكم بالإعدام بعد الانقلاب على مرسي في يوليو/ تموز 2013، لكن ما يثير الدهشة هو ماضي هؤلاء المحكوم عليهم: فعلى سبيل المثال تجد عماد شاهين أكاديمي مشهور عالميا والذي مارس التدريس في جامعة هارفرد الأمريكية والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وسندس عاصم الطالبة الشابة الواعدة والناشطة السياسية.
وما يجعل الأمور أكثر سوءا هي حالات الإعدام دون محاكمة التي تمارسها قوات الأمن وعناصر الجيش دون رادع، وأبرز هذه الحالات التي رافقت انقلاب يوليو/ تموز 2013 هي قيام قوات الجيش والشرطة بفتح النيران على المتظاهرين المناهضين للإطاحة بمرسي في ميدان رابعة، مما أسفر عن قتل أكثر من 1000 متظاهر في أقل من 10 ساعات.
وآخر تلك الحوادث هو موت إسلام عطيتو الطالب بكلية الهندسة بجامعة عين شمس بالقاهرة والمؤيد لجماعة الإخوان المسلمون المحظورة حيث وجدت جثته بصحراء ضواحي القاهرة، وخرج وزير الداخلية ليقول إن عطيتو كان مشتركا باغتيال أحد ضباط الشرطة وتوفي أثناء تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن عندما أغارت على "مخبأه".
لكنه طبقا لرواية اتحاد طلبة هندسة عين شمس-الذين قدموا استقالة جماعية اعتراضا على الحادثة-فإن عطيتو تم اعتقاله داخل حرم الجامعة أثناء امتحانات نهاية العام، وقالوا إن الحكومة قامت باختطاف وقتل عطيتو على خلفية نشاطاته السياسية، ووفقا لأحد محامين حقوق الإنسان المتابعين للقضية فإن هذه واحدة من عدة حالات، وكلها لم يتم فيه أي تحقيق بشكل جدي.
وحالات القتل تلك باسم القضاء وخارج نطاق القضاء تعكس مدى الأزمة التي وصلت لها مصر، "النسور" التي تسيطر على المؤسسات الأمنية والعسكرية يعزمون على إعادة سياسات نظام مبارك، لكنهم يختلفون معه في نقطة محورية: فهم يرون أن مبارك كان ضعيفا في ردعه للمعارضة.
وفيما يتعلق بالقيادات المصرية فهم يتبعون التكتيكات العنيفة التي تماثل ما فعله معمر القذافي في ليبيا وما يفعله بشار الأسد في سوريا، ويتوقع لها أن تلاقي نجاحا أكبر في مصر مما حققته في تلك البلاد، فاحتمال التدخل الأجنبي مثلما حدث في ليبيا ضعيف للغاية، واحتمالية قيام ثورة مسلحة متكاملة مثلما حدث في سوريا أضعف ومستبعدة لأقصى حد، إلا أن الاعتماد على القوة وحدها لإزالة حالة السخط في مصر التي تبلغ نسبة سكانها من الشباب تحت سن الثلاثين حوالي 70% سيمثل تحديا حقيقيا، إن لم يؤدي إلى حمام من الدم.
فالسياسات العنيفة التي تمارسها "النسور" المصرية قد قامت بتغيير سياسة المعارضة، في اعتصام عام 2013 المعارض للإطاحة بمرسي، خرج المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع ليقول ما أصبح بعدها هتاف معبر عن هذا الحراك "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لكن بعد الحكم على بديع بعدة أحكام اعدام (إحداها على خلفية الاشتراك في هجمات على مراكز شرطة في محافظة المنيا بالصعيد)، صارت العبارة مصدرا للسخرية اللاذعة بين الناشطين من الشباب، بما في ذلك أعضاء من الإخوان.
ثم قامت شبكة رصد المحسوبة على الإخوان بنشر رسالة لمحمود غزلان الأمين العام السابق للجماعة يؤكد فيه على التزام "الثورة" بالسلمية، لكنها نشرت أيضا انتقادات شديدة اللهجة لموقف غزلان من ناشطي الجماعة من الشباب، وهو تطور جديد للجماعة التي نادرا ما يتم التشهير بالخلافات داخلها.
بل إن الغضب بين أوساط الشباب من أعضاء الجماعة يبدو على أشده، ويقال إن الجماعة قد غيرت 65% من قيادتها وفقا لما قاله أحمد عبد الرحمن رئيس المكتب الإداري للإخوان المسلمين المصريين بالخارج الذي تم تأسيسه للتنسيق بين الآلاف من أعضاء الجماعة بالمنفى. وقد اتخذت الجماعة مسارا أكثر حدة عندما أعلنت عن أن المسار "الإصلاحي" الذي اتبعته حكومتها بعد الفوز بالانتخابات الرئيسية والبرلمانية عامي 2011 و2012 كان "خاطئا"، وأن إقصاء شباب الثوار من غير الإسلاميين كان "خطأ فادحا".
وفي ظل أحكام الإعدام بالجملة داخل مصر وحوادث القتل خارج إطار القضاء وهيمنة النسور على المؤسسات العسكرية والأمنية، وبعد التغييرات المنهجية والسلوكية والتنظيمية داخل الإخوان، فإن فرص الوصول لمصالحة تتضاءل شيئا فشيئا كل يوم. ففي بيئة ينظر فيها إلى كلمة "مساومة" على أنها مصطلح سيئ السمعة، يبدو مستقبل مصر أبعد ما يكون عن كونه مشرقا.