بي بي سي تكشف سر البعثة الأمريكية لعلاج الملك عبد العزيز بن سعود

 كتبه: تايلور كاتي: 8 يونيو2015

 

منذ ستة عقود مضت، كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقة متوترة ومضطربة بسبب النفط والأمن الإقليمي، ولكن قيام  الطبيب الشخصي للرئيسترومان بزيارة سرية للعاهل السعودي كانت سببا في تحسين العلاقة القائمة بين البلدين.

في فبراير 1950 ، أرسل السفير الأمريكي في المملكة العربية السعودية طلب استثنائي وغير عادي إلى وزارة الخارجية. " حيث قام بن سعود بطلب مساعدتنا في الحصول على الخدمات الفورية من الأطباء المختصين المتميزين لدينا والذين يمكنهم الذهاب سريعا إلى المملكة العربية السعودية لفحصه وعلاجه من مرض إلتهاب المفاصل المزمن حيث بدأ يشعر بآلام شديدة ومتزايدة ". كان ملك المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود معروف في الغرب باسم ابن سعود.

قد جاء هذا الطلب في وقت كانت العلاقات فيه معقدة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكانت الولايات المتحدة مستأجرة لمطار الظهران بالرغم من أن هناك الكثير من السعوديين بما في ذلك السلطات الدينية الأكثر تحفظا ضد أي وجود عسكري أمريكي. كان بن سعود نفسه لا يزال قلقا من الإعتراف الأمريكي بإسرائيل. حيث كانت هناك مفاوضات جارية بشأن كيفية تقسيم الأرباح في شركة آرامكو، وهي شركة نفط مملوكة من قبل المملكة العربية السعودية والشركات الأمريكية كما يجب تقسيمها.

إن الملك بن سعود زعيما قويا ومحنكا حيث قام بتوحيد المملكة العربية السعودية، لكنه أصيب بالشيخوخة وقد زادت عليه الآلام والتورمات في قدميه إلى أن وصل به الأمر للجلوس على كرسي متحرك. وعندما رآه الأمريكيين قال أحدهم أنه إقترب منه عندما كان يسير وسمع صوت طحن عظامه. وقد ذكر في مذكرة وزارة الخارجية التي أرسلها الخبير السعودي فريد آولت أنه يجب على أطباء الملك الخاصين الإعتناء به بشكل جيد " وينبغي عليهم إتباع التوصيات والعلاج للوصول إلى نتائج أفضل من ذلك ".

تعتبر الرحلة التي قام بها طبيب سلاح الجو لعلاج ولي العهد الأمير سعود بسبب مشكلة في العين هي رحلة ناجحة حيث أقنع الملك للبحث في مكان آخر للعثور على العلاج. أرسلت وزارة الدفاع اثنين من المختصين ورجال جيش سابقين، وكذلك معدات فنية. وذكر ترومان أن الطبيب الخاص العميد والاس إتش جراهام كان إضافة جيدة إلى الرحلة.

وقد أبلغ وزير الخارجية دين اتشيسون السفارة الأمريكية في جدة رغبة الرئيس في ضم جين جراهام " لتوفر الخبرة لديه كما أنه صديق حميم " وترأسه الفريق الطبي وذلك في برقية سرية، موجودة الآن في ملف الأرشيف القومي الأمريكي. وأجاب تشايلدز أنه يشعر بأن بن سعود سيكون " في غاية الإمتنان " بسبب العرض الي قدمه الرئيس ترومان " وقال أنه سيبذل قصارى جهده " في أقناعه بمشاعرنا الودية الصادقة ".

تحركت البعثة من واشنطن يوم 15 أبريل 1950 . وكانت صغيرة وسرية. وأثناء الانتهاء من التحضيرات، أرسلت الحكومة السعودية برقية طارئة لسفيرهم في واشنطن أن يطلب من ترومان "عدم السماح لأي صحفي حتى الصحافة أو الإذاعة المتعلقة بالفريق طبي المجيء إلى هنا". يخشى السعوديون من مفاجآت هذه الرحلة لأنها ستشعل فتيل الشائعات. وبالفعل كان بن سعود مريض جدا وينظر في موضوع التخلي عن العرش. لكن لم يكن التنحي في مصلحته بأي حال من الأحوال.

كذلك السيد ترومان كان لديه أسبابه الخاصة التي تدفعه للحفاظ على سرية البعثة. وكانت المملكة العربية السعودية حليفا غير متوقع ولكنه محتمل – بسبب التواصل مع شركة آرامكو النفطية والإتجاهات القوية المعادية للشيوعية داخل الحكومة، ولكن مثل هذا التحالف لن يكون له خلفيه شعبية في الولايات المتحدة.

كان هناك اثنين من الأطباء المتخصصين في فريق الدفاع أفراد عسكريين سابقين هم الدكتور جيلبرت ماركوارت والدكتور داريل كرين. وكان الدكتور كارين من واشنطن، ومقيم بالعاصمة ومن هوايته - التصوير الفوتوغرافي- حيث كانت هوايته حاضره معه في المملكة العربية السعودية. وجدت حفيدة الدكتور كرين، أليس ماكل صورا – قديمة مع العديد من الغرباء – في أرشيف العام الماضي.

بعد رحلة استمرت ثلاثة ايام، وصلت البعثة إلى المملكة العربية السعودية وكان الملك في استقبالها، والذي كان وفقا لهيوارد هيل، وهو مستشار في السفارة الأمريكية، "كان ينتظر بفارغ الصبر والحماسة مجيء هؤلاء الأطباء". على الرغم من كونه طبيب إلا أن حضور جين جراهام في هذه الرحلة كان لغرض دبلوماسي، فقد قام بتقديم نفسه في أول لقاء مع بن سعود.

كتب هيل في مذكرة أرسلت بعد ذلك إلى واشنطن " أن جين جراهام أضاف مبتسما أن الرئيس ترومان قام بارساله ( كهدية إلى الملك )". لكن جين جراهام كان دبلوماسيا محنكاً. وقد أشاد أطباء الملك نفسه به قائلين أنه " رجل من الطراز الأول " وأشار إلى فائدة فريقه وأهميته من خلال جلب " أحدث الأدوية والمعدات ". وفي عام 1989 ، قال جين جراهام للمؤرخ أن ألم بن سعود كان ألماً شديداً.

"وقال أنه أصيب بهشهشة العظام في مفاصل الركبة وخشونة والغضروف وكسور مختلفة في العظم" وقال أنه حاول دفع بن سعود للحضور إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية جراحية، لكنه رفض. وقد أظهر سجل الدكتور كرين الشخصي أن العلاج تقريبا سيكون خلال عدة أيام. وتصف أليس ماكل تجربة جدها مع الملك بأنها تجربة انسانية. فقد قضى الدكتور كرين حياته المهنية في محاولة تخفيف آلام الناس ومحاولته مع بن سعود لا تختلف عن ذلك. قالت " هذا الرجل الفخور صاحب التاريخ العظيم والناجح " كان كذلك " الرجل الهرم الذي كان يشعر بالكثير من الآلام".

وقد قامت الرحلة أيضا بتقديم معلومات إلى وزارة الخارجية عن الحياة اليومية للمواطنين السعوديين. " ولوحظ باهتمام كبير أن العديد من القيود القديمة المفروضة على الموسيقى، والألعاب، وغيرها من أشكال التسلية غير دينية ما زالت مفروضة في المملكة العربية السعودية "

كتب أولت في مذكرته بأنه يتوقع قيام ولي العهد بمعظم هذه التغييرات.           

خلال الزيارة، عقد ولي العهد مبارة لكرة البيسبول - للأطباء الأمريكيين الزائرين الذين يعملون في البلاد - وكذلك مباراة أخرى لكرة القدم ضد المنتخب السعودي المحلي. وقد فاز المنتخب السعودي بنتيجة 6-0 في كرة القدم. وفي حين رفض بن سعود الجراحة لكنه مع العلاج بدأ يشعر بارتياح، لدرجة أنه بدأ يستعيد مرة أخرى المسؤوليات التي أسندها إلى إبنه.

ذكر آولت في برقيته في مايو أن العاهل السعودي لم يعد في إحتياجه إلى إستخدام الكرسي المتحرك وبإمكانه التنقل " بسهولة كبيرة والتحرك بركبتيه بشكل كامل " أبلغ السفير تشايلدز وزير الخارجية دين اتشيسون أن البعثة قد خلفت " قدرا كبيرا من النوايا الحسنة " . رحلة الولايات المتحدة إلى السعودية مرة أخري. في أغسطس من العام التالي سقط بن سعود في المرض مرة أخرى مع " آلام شديدة وتشنجات في أسفل البطن ".

ذكر السيد دين اتشيسون في مذكرة إلى السيد الرئيس أنه " يوصي بشدة " بضرورة إرسال جين جراهام برفقة أطباء آخرين في رحلة عاجلة إلى المملكة العربية السعودية. وقال دين اتشيسون إرسال جنرال جراهام ليس فقط " تقديرعميق" لابن سعود "ولكنه أيضا حنكة دبلوماسية والتي مهدت الطريق مؤخرا أمام التوقيع على اتفاقية مهمة للغاية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية".

ويعتبر أساس التعاون العسكري بين البلدين هي اتفاقية الدفاع المتبادل والتي تستمر حتى اليوم – رغم وجود فترات من التوتر . وقد وافق الرئيس ترومان على إرسال البعثة. وحسب ما ذكر جين جراهام أنه تقابل مع السيد آولت والعديد من الأطباء المتخصصين في البيت الأبيض في عام 1951 قبل مغادرة البلاد حيث وقف الرئيس ترومان وأدلى بتصريحات معبرة عن مدى أهمية بن سعود – والمملكة العربية السعودية – بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

كتب السيد آولت " كما أخبر الرئيس لفريق الطبي أنهم ذاهبون في مهمة هامة إلى رجل عظيم ". حيث ذكر قائلا " هو صديق حميم لنا " .