قياس الحركة الجهادية

قياس الحركة الجهادية، الجزء الأول: أهداف الجهاديين

ستراتفور - 19 ديسمبر، 2013

في كثير من الأحيان عندما أقوم بمناظرات وجلسات إعلامية أو مقابلات صحفية، اُسال دائما أسئلة مثل: "بالنظر إلى الأحداث في سوريا وليبيا، هل الحركة الجهادية أقوى من قبل؟" إنه سؤال جيد، ولكنه هي أيضا سؤال لا يتم الإجابة عليه بسهولة في وقت قصير أو باقتباس مقتضب لوسائل الإعلام المطبوعة - فهو يتطلب فعلا بعض الشرح المفصل. ولهذا السبب، قررت أن استغرق بعض الوقت لتوفير تعامل أكثر دقة لهذا الموضوع في شكل مكتوب لقراء ستراتفور. وعندما فكرت في مختلف جوانب الموضوع، جاءني الاعتقاد بأن التغطية بشكل كاف تتطلب أكثر من عدد أسبوعي، ولذا فإنني سوف أهدي سلسلة من المقالات لهذا الغرض.

عند قياس الوضع الحالي للحركة الجهادية، وأعتقد أنه من المفيد استخدام معيارين مختلفين. الأول هو أن تنظر في غايات وأهداف الجهاديين ثم تقيش مدى تقدمهم نحو تحقيقها. والثاني هو أن نلقي نظرة على نظرية التمرد ونماذج الإرهاب لنرى ما يمكن أن تخبرنا به حالة شبكات المتشددين الجهاديين وجهودهم. سوف نناقش هذا الاسبوع المعيار الأول: أهداف وغايات الجهاديين. وسوف نناقش في الأسبوع القادم نظريات التمرد والإرهاب، ومن ثم وبمجرد أن نضع تلك المعايير، فإنه يمكننا استخدامها لنرى كيفية قياس مختلف عناصر الحركة الجهادية.

أهداف وغايات الجهاديين

هناك رواية سائدة بأن الجهاديين هم مجرد أناس مجانين والذين يستخدمون العنف من اجل العنف. وهذا أمر كاذب بصورة واضحة. في حين أن هناك بلا شك بعض الشخصيات الذهانية والعدائية المناهضة للمجتمع داخل الحركة، فإن وبشكل عام، استخدام الجهاديين للعنف - الإرهاب والتمرد - هو أمر عقلاني تمامًا.

ومن الجدير بنا أن نتذكر أن الإرهاب لا يرتبط بمجموعة واحدة فقط من الناس، بل هو تكتيك قد يستخدم من قبل مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة. لا يوجد عقيدة أو عرق أو انتماء سياسي أو جنسية يحتكر الإرهاب. يقوم الجهاديون بتوظيف الإرهاب كما يقومون بالتمرد - كواحد من العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها لتحقيق أهدافهم.

يمكن القول بأن الأهداف التي يسعى الجهاديون لها من خلال توظيف العنف هي أهداف وهمية. وبالرغم من أننا يمكن التساؤل عما إذا كانوا أو لم يكونوا قادرين على تحقيق هذه الأهداف من خلال وسائل عنيفة، فلا يمكن لنا ببساطة أن يجادل في أنهم يوظفون العنف عمدًا وبطريقة رشيدة بغية تحقيق أهدافهم المعلنة. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فسوف نلقي نظرة أعمق على تلك الأهداف.

من المهم جدا أن نفهم أن الجهاديين تحركهم دوافع عقائدية. في الواقع، في عقيدتهم ليس هناك تمييز حقيقي بين الدين والسياسة والثقافة. فهم يعتقدون أن من واجبهم الديني نشر فهمهم الخاص بالإسلام جنبا إلى جنب مع الحكومة، النظام القانوني والمعايير الثقافية التي تسير معها. وهم يعتقدون أيضا أنه من أجل نشر فهمهم للإسلام بصورة صحيحة، فيجب أن يحذون بدقة حذو نموذج النبي محمد والمؤمنين الأوائل. وبينما يعتقد جميع المسلمين بأن عليهم اتباع القرآن والسنة، لا يسمح الجهاديين بمساحة كبيرة للأفكار غير الدينية ويحدون بشدة من استخدام العقل في تفسير النصوص الإلهية.

تاريخيا، بعد مغادرته مكة المكرمة، انتقل محمد إلى المدينة المنورة، حيث أسس أول دولة إسلامية في العالم. ثم بدأ هو وأتباعه العمليات العسكرية لمداهمة قوافل خصومهم. غزا جيش محمد في نهاية المطاف مكة المكرمة وجزء كبير من شبه الجزيرة العربية قبل وفاة النبي. في غضون قرن من وفاة محمد، كان أتباعه يشكلون إمبراطورية شاسعة عبر شمال أفريقيا ومعظم أسبانيا إلى الغرب، ووصلت تلك الامبراطورية إلى حدود الصين والهند في الشرق. ومثلما فعل محمد وأتباعه بغزو جزء كبير من العالم المعروف، يسعى الجهاديون لاستعادة هذه الإمبراطورية ثم توسيعها لتشمل الأرض كلها. .

خطة الجهاديين هي أولًا إقامة دولة تسمى إمارة التي يمكنهم حكمها وفقا للمبادئ الجهادية، ومن ثم استخدام تلك الدولة كنقطة انطلاق لمزيد من الفتوحات، وإنشاء الإمبراطورية الأكبر والتي يصفونها بالخلافة. يعتقد كثير من منظري الجهاديين أن الخلافة يجب أن تكون كيانا عابرًا للأوطان والتي تضم جميع الأراضي المسلمة، وتمتد من إسبانيا (الأندلس) في الغرب إلى الفلبين في شرق البلاد. وبعد ذلك تمتد الخلافة على الصعيد العالمي، وبذلك يصبح العالم كله خاضع لهم.

الآن، وبالرغم من ذلك، من المهم أن نتذكر أن الحركة الجهادية ليست متجانسة وأن هناك درجات متفاوتة من الاختلافات الأيديولوجية - بما في ذلك الأهداف والغايات - بين مختلف الجهات والجماعات. على سبيل المثال، بعض الجهاديين هم قوميون أكثر في الفلسفة وأقل تطلعهم للوطنية العابرة للحدود. وهم يركزون على إسقاط النظام في بلادهم وإقامة إمارة في إطار الشريعة. وهم ليسوا مهتمين بشأن استخدام تلك الإمارة كنقطة انطلاق لإعادة تأسيس الخلافة. كان هذا التوتر بين الاتجاه القومي مقابل الاتجاه العابر للأوطان باديًا للعيان في الصومال بين الفصائل المختلفة لحركة الشباب. بعض الجهاديين يعتقدون أيضا بأنه لا يمكن أن يكون هناك خلافة عالمية واحدة وذلك بسبب الاختلافات بين المسلمين، وبدلا من ذلك يسعون لإنشاء سلسلة من الدول الصغيرة التي من شأنها أن تقوم بتوسيع نفس الأراضي.
وقد ذكر قادة ومنظروا الجهاديين علنا هذه النوايا، لكن تلكم الأفكار ليست مجرد أهداف بلاغية للاستهلاك العام. اعادة النظر في الكتابات الخاصة بقادة الجهاديين، فضلا عن الإجراءات التي اتخذتها عناصر جهادية على الأرض تدل بوضوح على النية القوية لتحقيق أهدافهم.

الكتابات والأعمال

جاءت واحدة من أكثر النظرات الثاقبة في استراتيجية القاعدة في شكل بريد إلكتروني نشرته حكومة الولايات المتحدة في عام 2005 من نائب زعيم التنظيم (والامير الحالي) أيمن الظواهري إلى أبو مصعب الزرقاوي. كان الزرقاوي زعيم التوحيد والجهاد، وهي جماعة جهادية تعمل في العراق والتي تعهدت بالولاء لتنظيم القاعدة وغيرت اسمها إلى تنظيم القاعدة في العراق. تحولت الجماعة في وقت لاحق إلى مظلة منظمة تضم العديد من الجماعات الجهادية وتم اعادة تسميتها لتصبح دولة العراق الإسلامية. في الآونة الأخيرة، نظرا لجهودها في سوريا، غيرت الجماعة اسمها إلى دولة العراق الإسلامية وبلاد الشام.

كان خطاب الظواهري للزرقاوي جديرًا بالملاحظة ولافتا للنظر لعدد من الأسباب، أحدها كان توضيحه لأهداف تنظيم القاعدة. في الرسالة، قال الظواهري: "لقد كان دائما اعتقادي أن انتصار الإسلام لن يتم حتى يتم تأسيس الدولة المسلمة على طريقة النبي في قلب العالم الإسلامي". كما أشار أيضًأ إلى أن الخطوة الأولى في هذه الخطة هي طرد الأميركيين من العراق. كانت المرحلة الثانية هي إقامة إمارة وتوسيعها إلى خلافة أكبر. كانت المرحلة الثالثة هي مهاجمة الدول العلمانية المجاورة للعراق (السعودية والكويت وسوريا والأردن) وجعلها الخلافة. كانت الخطوة الرابعة هي استخدام قوة الخلافة جميعًأ لمهاجمة اسرائيل.

وجدت الاستراتيجية التي وضعها الظواهري صدى لها بوضوح عند الجهاديين العراقيين، وأظهرت أعمالهم اللاحقة أنهم قد تبنوا تلك الاستراتيجية. حتى اسمها، الدولة الإسلامية في العراق والشام (التي يؤكدون فيها على الدولة)، يعكس رغبتهم في إقامة دولة جهادية. بالإضافة إلى ذلك، وفرت الحرب الأهلية في سوريا لدولة العراق الإسلامية فرصة لمهاجمة البلاد العلمانية المجاورة، حيث بذلت جهود مضنية للاستيلاء والسيطرة وحكم تلك الأراضي.

دولة العراق الإسلامية وبلاد الشام ليست جماعة جهادية فقط تحاول إقامة إمارة. فقد بذل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية جهودا متضافرة للاستيلاء والسيطرة وحكم الأراضي في جنوب اليمن نتيجة للثورة اليمنية في عام 2011، وسيطر بالفعل لفترة وجيزة على رقعة كبيرة من الأراضي هناك. تسيطر حركة الشباب وتحكم أجزاء من الصومال لعدة سنوات وحتى الآن (على الرغم من فقدان الحركة مؤخرا لأجزاء كبيرة من تلك الأراضي). وقد أنشأ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بشكل مؤقت إمارة في شمال مالي عام 2012، وحاولت جماعة بوكو حرام الجهادية النيجيرية فرض سيطرتها على مناطق في شمال نيجيريا. في الوقت الحاضر، تسعى الجماعات الجهادية مثل جماعة أنصار الشريعة، إلى فرض سيطرتها على الأرض وسط الفوضى في ليبيا.

كان الهدف من إنشاء الإمارة واضح في رسالتين كشفت عنهما وكالة أسوشيتد برس في تمبكتو، مالي. كانت الرسالتين مكتوبتين من قبل ناصر الوحيشي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، واُرسلت إلى عبد المالك دروكدال (المعروف أيضا باسم أبو مصعب عبد الودود)، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. في الرسائل، فَصًلَ الوحيشي بعض الدروس والأخطاء التي وقعت فيها منظمته عندما كانت تحاول إقامة إمارة في اليمن. وقال بوضوح إنه سعى لمشاركة تلك الدروس مع عبد الودود بحيث يكون تنظيم القاعدة في امارة بلاد المغرب الاسلامي في مالي أكثر نجاحًا.

في واحدة من الرسائل، أوضح الوحيشي أيضا أن جماعته لم تعلن عن قصد اقامة إمارة في جنوب اليمن. "عندما سيطرنا على المناطق، نُصِحنا من قبل القيادة العامة هنا بعدم إعلان إنشاء إمارة إسلامية، أو دولة، وذلك لعدد من الأسباب: فنحن لن نكون قادرين على التعامل مع الناس على أساس دولة حيث إننا لن نكون قادرين على توفير كافة احتياجاتهم، وذلك أساسا لأن دولتنا غير محصنة، ثانيا: الخوف من الفشل، في حال تآمر العالم ضدنا. إذا حدث ذلك، فسوف يبدأ الناس في اليأس ويعتقدون أن الجهاد غير مثمر.

من الواضح أن نصيحة الوحيشي ذهبت أدراج الرياح. بعد فترة وجيزة من اعلان الجهاديين إقامة دولة إسلامية أسموها أزواد في شمال مالي في أبريل 2012، أخرج الغزو الفرنسي الجهاديين من الأراضي التي غزوها، وأنهوا الدولة التي لم تدم طويلا، أزواد. عكست الخطابات التي وجدت في مالي أيضا أن دروكدال وُجد أنه كتب إلى قادته في مالي داعيًا إياهم بالامتناع عن السلوك الأصولي والوحشي المفرط والذي من شأنها أن يعرض أهدافهم للخطر. شهدنا أيضا الاتصالات الأخيرة للظواهري التي ينتقد فيها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على الأخطاء في مالي التي أدت إلى هزيمتهم.

تظهر هذه الأحداث أن إقامة إمارة كقاعدة ينطلقون منها لشن مزيد من التوسع هي في قلب الاستراتيجية الجهادية، مما يبقيها هدفا مهما للحركة الجهادية.

الجزء الثاني: نظرية التمرد والارهاب

كان الاسبوع الماضي الأول في سلسلة من التحليلات تهدف لقياس الوضع الحالي للحركة الجهادية. ناقشت مقدمة الجزء الأول معياريين سيتم استخدامهما لتقييم الحركة الجهادية. المقياس الأول هو غايات وأهداف الحركة نفسها، والمقياس الثاني هو نظرية التمرد والإرهاب. وأشار التحليل لأهداف الجهاديين أن كل الجهاديين تقريبًا - سواء كانت عابرة للأوطان أو قومية في الأيديولوجيا - يسعون لإقامة نظام سياسي إسلامي على غرار إمارة القرون الوسطى. هذا الهدف ليس فقط مسألة خطابة، ولكن عمل - وقد حاول العديد من الجماعات الجهادية تأسيس الإمارات. بمجرد إنشائها، سوف تُحكم الإمارة بموجب التفسير المتشدد للغاية للشريعة، كما رأينا في أفغانستان تحت حكم طالبان، التي كانت أول إمارة جهادية . يسعى الجهاديون العابرون للأوطان أيضا لتوسيع ما وراء إنشاء الإمارة إلى إعادة تأسيس الخلافة.

التمرد هو تمرد مسلح، المنظمات المسلحة التي تشن حركات التمرد غالبا ما تستخدم الإرهاب كأداة في هذا التمرد. هناك العديد من التعريفات المتضاربة للإرهاب، ولكن لأغراضنا سوف نعرفه بشكل عام كعنف ذات دوافع سياسية ضد غير المقاتلين. بحكم التعريف، تستخدم جميع حركات التمرد العنف، ولكن ليس كل منهم يستخدم الإرهاب. لذلك، فبينما غالبا ما يكون المفهومان مكملين لبعضها البعض، إلا أنهما ليسا مترادفين. في الحالة المحددة الحركة الجهادية، شهدناهم يستخدمون الإرهاب كعنصر لحملات تمردهم المختلفة. ومع ذلك، ومن أجل التوصل إلى فهمهم بصورة كاملة، يجب أن نتعامل مع هذين المفهومين المتكاملين - ونظرية وراءهما - بشكل منفصل.

سوف ندرس هذا الأسبوع نظرية التمرد ونظرية الإرهاب لمعرفة الكيفية التي يمكن استخدامها لقياس الحركة الجهادية.

التمرد والحرب الطويلة

يًمارس التمرد، والذي يسمى أحيانا بحرب العصابات أو الحرب غير النظامية، منذ قرون في مجموعة متنوعة من مختلف المناطق من خلال عدد من الفاعلين من مختلف الثقافات. كان أحد هذه الأمثلة التاريخية هي النبي محمد، الذي ينظر اليه من قبل الجهاديين كنموذج للحملات العسكرية. بعد أن غادر محمد مكة وأنشأ أول دولة إسلامية في المدينة المنورة، بدأت قواته في القيام بعمليات عسكرية غير متكافئة ضد خصومهم الأقوى في مكة، من خلال الهجوم على القوافل التجارية وتنفيذ هجمات الكر والفر حتى أصبحوا قادرين على جمع القوة اللازمة للسيطرة على مكة وتوسيع الدولة الإسلامية لتشمل جزءًا كبيرًا من شبه الجزيرة العربية.

في القرن 20، تم تقنين نظرية التمرد بواسطة قادة مثل فلاديمير لينين في روسيا وماو تسي تونغ في الصين ونغوين جياب في فيتنام وتشي جيفارا في أمريكا اللاتينية. ولكن في جوهرها، كانت تستند على المفاهيم التاريخية للمعركة المتراجعة عندما يكون للعدو قوات متفوقة ومن ثم الهجوم في الزمان والمكان حيث يمكن للمتمردين تجميع قوات كافية لضرب العدو عندما يكون ضعيفًا. يلقي المتمردون نظرة طويلة على لكفاح المسلح ويسعون للبقاء على قيد الحياة والقتال في يوم اخر بدلا من الثبات ومن ثم يتم تدميرهم من قبل العدو. قد يخسرون بعض المعارك، ولكنهم يتسببون في خسائر لعدوهم وإجباره على فقدان الرجال والموارد على نحو غير متناسب في حين يبقون هم على قيد الحياة لمواصلة التمرد، إنه انتصار لهم. الوقت هو في جانب المتمردين بأسلوب غير متكافئ للمعركة، وهم يأملون في أن الحرب الطويلة سوف تعمل على انهاك وإضعاف معنويات العدو.

هناك اختلافات مفاهيمية متفاوتة بين شخصيات مثل ماو ولينين وجيفارا بشأن كيفية المضي قدما بصورة أفضل في وضع سياسي معين من أجل تعزيز الموقف وتجنيد قوات للمتمردين. على سبيل المثال، يعتقد ماو في إعداد سياسي واسع بين المواطنين الفلاحين قبل شن الكفاح المسلح. في المقابل، يعتقد جيفارا بأن طليعة صغيرة من المقاتلين يمكن أن تبدأ في شن هجمات دون طبقة سياسية واسعة النطاق وأن الكفاح المسلح نفسه يمكن أن يُشكل الرأي العام ويزيد من الدعم الشعبي للقضية. وتستند هذه الاختلافات إلى حد كبير على ما نجح من حالات تمرد محددة. ومع ذلك، وبالنظر في الصورة الأكبر، جميع المنظرين للتمرد يعززون مفهوم قادة التمرد الذين يعملون على بناء قواتهم العسكرية حتى يتمكنوا من الانخراط في اشتباكات عسكرية أكبر تدريجيا بينما وفي الوقت ذاته يستنفدون قدرات عدوهم . بدءا من الهجمات على نطاق صغير ( في بعض الأحيان يستخدمون الإرهاب) ، هم يريدون الانتقال من غارات الكر والفر إلى المعركة التقليدية، في نهاية المطاف يسعون لتحقيق التكافؤ العسكري ثم التفوق على العدو حتى يتمكنوا من الاستيلاء والسيطرة على الأراضي.

في حالة التمرد ضد المحتل الأجنبي، فليس من الضروري دائما أن يتبع هذا التدرج وتحقيق التكافؤ العسكري معه. لدى المتمردين المحليين دائما تفوق استخباراتي فضلا عن الاستفادة من الفائدة الأساسية. بعبارة أخرى، المحتل الأجنبي لديه مصلحة أقل في قطعة معينة من الأرض من تلك التي لدى السكان المحليين الذين يسمونها بالوطن. إذا قاوم المتمردون طويلًا بما فيه الكفاية وتسببوا في فقدان ما يكفي من الدم والمال، يمكن أن يُجبَر في كثير من الأحيان المحتل على الرحيل، حتى لو كان المتمردون يتعرضون لخسائر أكبر على نحو غير متناسب.

كما ذكر أعلاه، يسعى الجهاديون إلى محاكاة ما يعتقدون أنه نمط النبي محمد وأتباعه، الذين تدرجوا من الغارات المقوفلة إلى الحرب غير النظامية ثم إلى السيطرة على مكة المكرمة وأخيرا تشكيل امبراطورية واسعة من خلال القوات العسكرية التقليدية.

وبالنظر في نظرية التمرد ونموذج محمد، نحن في وضع للنظر في مختلف الجماعات الجهادية وقياس وضعهم الحالي - و الأهم من ذلك، مسارهم - على أساس مرحلتهم من التمرد. هل تقدمت الجماعة من الهجمات على نطاق صغير إلى الحرب غير النظامية ؟ هل تراجعوا؟ هل قاموا بغزو والسيطرة على الأراضي ؟ هل خسروا تلك الأراضي؟

نظرية الإرهاب

الإرهاب يميل إلى أن يكون أداة للضعفاء. وغالبا ما يُستخدم على أنه وسيلة لإجراء صراع مسلح ضد عدو أقوى عسكريًا عندما تكون المنظمة التي تطلق الكفاح المسلح ليست بعد في مرحلة تكون فيها الحرب التقليدية أو التمرد قابلة للحياة. الجماعات الماركسية والماوية والفوكوية غالبا ما تسعى إلى استخدام الإرهاب كخطوة أولى في الكفاح المسلح. في بعض النواحي، اتبع تنظيم القاعدة نوع ما من استراتيجية فوكو باستخدام الإرهاب لتشكيل الرأي العام وزيادة الدعم الشعبي لقضيتهم. ويمكن أيضا أن يُستخدم الإرهاب لتكملة التمرد أو الحرب التقليدية عندما توظف لتشتيت وفقدان العدو لتوازنه، وبصورة رئيسية عن طريق إجراء ضربات ضد الأهداف المعرضة للخطر في مؤخرة العدو. تستخدم طالبان الأفغانية الإرهاب بهذه الطريقة. تتطلب مثل هذه الهجمات ضد أهداف "ناعمة" تخصيص موارد غير متناسبة للدفاع عن نفسها. وبينما هذا التخصيص مكلف من حيث العتاد والقوى العاملة، إلا أن مثل هذا التخصيص هو ضرورة قصوى إذا كانت قوات الأمن ترغب منع السكان المستهدفين من الشعور بالرعب.

الهجمات الإرهابية التي تُستخدم كأداة من قبل أي منظمة تقوم بالكفاح المسلح - سواء كانت تلك المنظمة ماركسية أو ماوية أو جهادية - تكون أكثر فعالية عندما تُستخدم بطريقة تُوجه باستراتيجية شاملة، استراتيجية تسعى لتحقيق الأهداف العسكرية للمنظمة (والسياسية في نهاية المطاف). بسبب هذا، الهيكل التنظيمي الهرمي، مع خطوط مباشرة للقيادة والسيطرة، هي أفضل نموذج للإرهابيين لاستخدامها في عالم مثالي - كما هو الحال بالنسبة لأي منظمة عسكرية لهذه المسألة. ومع ذلك، كثيرُا ما تمنع الظروف على أرض الواقع استخدام التنظيم الهرمي، والمانع الأكثر أهمية في على الأرض يتمثل في عدوانية قوات الأمن.

في الأماكن التي تكون فيها قوات الأمن ضعيفة وغير منظمة، فمن الممكن تماما للجماعات الارهابية الاستفادة من نموذج القيادة الهرمية. ولكن في الأماكن التي تكون فيها قوات الأمن كفء وعدوانية، يصبح العمل الإرهابيين أصعب. يمكن أن تصبح قوة أمنية كفء ناجحة جدا في جمع المعلومات الاستخبارية حول منظمة مسلحة، بل وربما إلى حد اختراق التنظيم من خلال عملاء، أو زرع مخبرين داخل تلك المجموعات . تسمح مثل هذه العمليات الاستخباراتية لقوات الأمن بتحديد ومحاصرة أعضاء المجموعة، وذلك باستخدام تسلسلهم الهرمي الخاص كإطار مستهدف.

يمكن لممارسة أمن عملياتي جيد أن يساعد منظمة متشددة في حماية نفسها من جهود جمع المعلومات الاستخبارية لقوات الأمن، ولكن هذه التدابير محدودة حتى الآن. إذا كانت قوات الأمن قادرة وعدوانية، فإنها تظل تجد طرق لاختراق التنظيم. هناك طريقة واحدة تستطيع بها الجماعات المتشددة مواجهة مثل هذه الجهود الاستخباراتية العدوانية وهي الابتعاد عن تكوين البنية الهرمية وأن تتجه نحو نحو بنية الخلية التي تعمل فيها الفرق أو الخلايا الصغيرة بشكل مستقل ولا يكون لديها صلات مع بعضها البعض.

في بعض المنظمات، يمكن أن تكون الخلايا مستقلة تماما ومكتفية ذاتيا عمليًا وتجري جميع أنشطتها داخليا اعتمادا على التوجه التي تتلقاه من القيادة المركزية. تستخدم تنظيمات أخرى خلايا وظيفية تقوم بأنواع مختلفة من المهام المطلوبة للقيام بعملية إرهابية. في مثل هذا النموذج التشغيلي، يكون هناك خلايا للتمويل وخلايا للخدمات اللوجستية وخلايا الأوامر وخلايا لصنع القنابل وخلايا للدعاية وخلايا للتجنيد وخلايا للمراقبة وخلايا للهجوم، وهلم جرا. الفكرة هي أنه إذا تم المساس بخلية ما، فسوف ينحسر الضرر ولن تسمح للسلطات بالتعرف على المنظمة بأكملها. ولكن تظل تلك الخلايا المختلفة مرتبطة عن طريق عنصر القيادة المشتركة والموجهة في عملياتها.

ومع ذلك، وحتى تلك المنظمات الخلوية (المعتمدة على الخلية) هي عرضة للاختراق الاستخباراتي. بسبب هذه الحقيقة، اقترح بعض المنظرين الإرهابيين نموذجًا تشغيليًا يسمى بالمقاومة بلا قيادة، والتي تقوم بها الخلايا والأفراد المستقلين بشن هجمات دون توجيه من القيادة المركزية.

مفهوم المقاومة بلا قيادة هو حقا مفهوم قديم جدا، ولكن شكلها الحديث ربما كان أفضل وضوحًا وتوثيقًا من خلال سلسلة من قادة تفوق العرق الأبيض الأمريكي بعد محاكمة التحريض على الفتنة لفورت سميث عام 1988. وفي حين أن الـ 13 من قادة تفوق العرق الأبيض المتهمين في قضية فورت سميث قد تم تبرئتهم في نهاية المطاف، أثبتت الشهادات والأدلة لتلك المحاكمة أن حركة تفوق العرق الأبيض كانت مخترقة بشكل كبير من قبل وكالات إنفاذ القانون الأميركي . بدأ بعض قادة تلك الجماعات المخترقة الدعوة إلى المقاومة بلا قيادة كوسيلة لتجنب النشاط الاستخباراتي الحكومية المكثف.

في عام 1989، نشر ويليام لوثر بيرس، زعيم مجموعة النازيين الجدد التي تُدعى التحالف الوطني وأحد متهمي فورت سميث، كتابًا خياليًا تحت اسم مستعار أندرو ماكدونالد بعنوان هانتر (الصياد)، والذي تناول مآثر ذئب خيالي يعمل على طريقته الخاصة يدعى أوسكار ييغر. كرًس بيرس الكتاب لإدانة السفاح جوزيف بول فرانكلين وقد قصدها بوضوح ليكون بمثابة مصدر إلهام ونموذجا للناشطين الذين يعملون بطرقهم الخاصة. واستند كتاب بيرس السابق، وتيرنر دايريز، على نظرية عملياتية مسلحة والتي تنطوي على تنظيم سري، في حين مثل كتاب هانتر (الصياد) استراحة متميزة من هذا النهج. (من قبيل الصدفة، أُعدم فرانكلين من قبل ولاية ميسوري، المكان الذي كانت تكتب منه هذه المقالة.)

في عام 1990، نشر ريتشارد كيلي هوسكينز، مفكر "الهوية المسيحية" المؤثرة، كتاب بعنوان حراس العالم المسيحي والذي عرض فيه مفهوم "فينس الكهنوت". وفقا لهوسكينز، فينس الكاهن هو متشدد يقوم بالأعمال على طريقته والذي اختاره الله واُدِخِر ليكون "وكيل الله للانتقام" على الأرض. ويعتقد كهنة فينس أيضا أن هجماتهم ستعمل على إشعال "حرب مقدسة عنصرية" أوسع والتي من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى الخلاص من العرق الأبيض.

في عام 1992، نشر متهم أخر من متهمي فورت سميث، زعيم كو كلوكس كلان السابق لويس بييم، مقالا في مجلته سيديشانيست (المحرض) والتي قدمت خارطة طريق مفصلة لنقل حركة الكراهية البيضاء نحو نموذج المقاومة بلا قيادة. دعت خارطة طريق بييم للخلايا "الوهمية" الصغيرة والتي تعمل على طريقتها للانخراط في أعمال العنف لحماية أنفسهم من الكشف.
والدعوة إلى المقاومة بلا قيادة هي ليست نموذجًا من جانب اليمين الأمريكي المتطرف فقط. متأثرة بجذورها الفوضوية، انتقل المتطرفون اليساريون أيضا في توجه الشبح والحركات مثل جبهة تحرير الأرض وجبهة تحرير الحيوان التي اعتمدت النماذج العملياتية التي كانت مشابهة جدا لعقيدة المقاومة بلا قيادة التي وصفها بييم.

عند رؤية نجاح الولايات المتحدة وحلفائها في التعامل ضد تنظيم القاعدة الأساسي والشبكة الجهادية الأوسع بعد 11/9 ، بدأ المُنَظِر العسكري الجهادي أبو مصعب السوري للترويج لنموذج المقاومة بلا قيادة للجهاديين في أواخر عام 2004. واستند هذا على مفهوم الجهاد الفردي. كما لو كان لاثبات وجهة نظره الخاصة حول مخاطر الحفاظ على مكانة عالية والتواصل مع جهاديين آخرين، اُفيد بأن أبو مصعب السوري تم القبض عليه في نوفمبر 2005 في باكستان. ويعتقد أنه أُطلق سراحه من السجن في سوريا في أواخر عام 2011 أو أوائل عام 2012.

وقد تبنت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مفهوم أبو مصعب السوري للمقاومة بلا قيادة، ومجموعة تنظيم القاعدة في اليمن، في عام 2009. دعا تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لهذا النوع من الاستراتيجية في كل وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية ومجلته الناطقة باللغة الانجليزية انسباير (إلهام) والتي نشرت مقتطفات طويلة من نظريات أبو مصعب السوري والمتعلقة بالجهاد الفردي. سعت المجلة أيضا لتجهيز الجهاديين الطامحين بالقيام بذلك بأنفسهم بالمواد العملية، مثل تعليمات لصنع القنابل. وقد استخدمت تعليمات مجلة انسباير (الهام) لصنع القنابل في عدد من المؤامرات، بما في ذلك قصف ماراثون بوسطن.

في عام 2010، احتضن تنظيم القاعدة الأساسية أيضا هذه الفكرة، مع ترديد دعوة المتحدث باسمها المولود في الولايات المتحدة آدم غدن للمسلمين لاعتماد نموذج المقاومة بلا قيادة.
ومع ذلك، في العالم الجهادي، كما هو الحال في عالم تفوق البيض قبل ذلك، التحول إلى المقاومة بلا قيادة هو اعتراف بالضعف وليس علامة قوة. أقر الجهاديون بأن قدرتهم محدودة للغاية على مهاجمة الغرب بنجاح. و بينما كانت الجماعات الجهادية ترحب علنا بالمجندين في الماضي، فهم يقولون لهم الآن أنه من الخطير جدا أن يسافروا بسبب الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفائها لمكافحة التهديد الإرهابي العابر للأوطان. النصيحة هي أنه وبدلا من السفر لشن هجمات في أماكن معينة ينبغي لهم شن تلك الهجمات في الدول الغربية التي يعيشون فيها.

والنتيجة الصافية هي أننا يمكننا استخدام نظرية الإرهاب كوسيلة لقياس وضع مجموعة جهادية معينة. هل هم قادرون على العمل كتنظيم هرمي أو هل عليهم العمل في هيكل يقوم على الخلايا ؟ هل بامكانهم تسليط الضوء على قوتهم من خلال شن هجمات عابرة للحدود، أو أن انتشارهم مقتصر على مدينة أو بلد أو منطقة معينة؟

سوف نطبق الأسبوع القادم هذه التدابير لنظرية التمرد والإرهاب لمجموعة متنوعة من الجماعات الجهادية. من خلال دمج أيضا أهداف الحركة الجهادية (كما بحثت في الجزء الأول من هذه السلسلة ) كمعيار، سوف نكون قادرين على رؤية بالضبط أين تقف هذه الجماعات فيما يتعلق بكل منها.

الجزء الثالث: أين نقف؟

ستراتفور (سكوت ستيوارت) – 27 نوفمبر 2013
ملاحظة المحرر: فيما يلي هي الثالثة من سلسلة دراسة الجهادية العالمية. أسس أول جزأين من هذه السلسلة المعايير التي سوف نستخدمها لتقييم الوضع الحالي للحركة الجهادية. هذا الأسبوع، سوف نعرف الحركة والبدء في تقييم عناصرها المختلفة.

تعريف الحركة الجهادية

غالبا ما تُصور الحركة الجهادية في الصحافة ككيان متجانس، مع الإشارة للحركة بأكملها بشكل متكرر باسم "تنظيم القاعدة" أو "متشددين على صلة بتنظيم القاعدة". في الواقع الحركة الجهادية هي أكثر تعقيدا بكثير. هذا هو السبب في أننا عنونا هذه السلسلة بــ "قياس الحركة الجهادية" وليس مجرد "قياس تنظيم القاعدة".

كما ناقشنا سابقا، هناك عدد من الجهات والجماعات الجهادية، ويحمل الكثير منهم مذاهب دينية ومبادئ عملياتية مختلفة. على سبيل المثال، بعض الجماعات تميل إلى أن تكون أكثر قومية في طبيعتها، مثل حركة طالبان الأفغانية، في حين أن البعض الآخر هي جماعات عابرة للحدود الوطنية أكثر، مثل تنظيم القاعدة الأساسي. هناك مجموعة من مجموعات مع المعتقدات التي تقع بين هذين النقيضين. نفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، المجموعة الجهادية الأكثر انحيازا المرتبطة بشكل وثيق بتنظيم القاعدة الأساسية، هجمات إرهابية ضد أهداف محلية وإقليمية بالإضافة إلى الأهداف العابرة للحدود.
ولكن اختيار الهدف وأنواع الهجمات ليست هي محل الاختلافات فقط. تعتقد بعض الجماعات في ممارسة التكفير، أو الإعلان عن كفر مسلمين آخرين، بينما تدحض مجموعات أخرى التكفير وتعتبره انه غير إسلامي. تُهاجم بعض الجماعات الجهادية المسلمين الشيعة والصوفيين بنشاط بينما تتعاون الجماعات الأخرى مع الشيعة أو الصوفيين أو حتى الجماعات العلمانية المسلحة التي تقاتل لنفس السبب. هناك أيضا اختلافات بين الجماعات بشأن الكيفية التي ينبغي أن تطبق بها الشريعة في المناطق التي غزتها الجماعات الجهادية.

نشير إلى هذه المجموعات الإقليمية التي اقسموا بالولاء لتنظيم القاعدة بأنها "جماعات الامتياز" لأنها جماعات، في حين أنها تستخدم اسم العلامة التجارية العابرة للحدود المعترف بها على نطاق واسع، تعمل وتدار محليا.

ولكن حتى بين تلك الجماعات الامتياز لتنظيم القاعدة المعلن عنها، يمكن أن يكون هناك اختلافات في العقيدة التشغيلية.
في سوريا، شهدنا هذه الاختلافات بين جماعات الامتياز الجهادية تتحول إلى خلاف وحتى إلى صراع مسلح. وقد أدى هذا الوضع أيضا إلى تحد صريح لتوجيهات القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة. أحد جماعات الامتياز التابعة للقاعدة، الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، استمرت في محاولات لاستيعاب جماعة امتياز سورية أخرى لتنظيم القاعدة، جبهة النصرة، حتى بعد أن أمر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بحصر جهودهما على العراق والسماح لجبهة النصرة بالحفاظ على المسؤولية في سوريا.

في الجزائر، تسببت الخلافات بين الفصائل المختلفة داخل جماعة الامتياز في أن يقوم أعضاء الجماعة السلفية للدعوة والقتال بتكفير الحكومة وأن ينفصل مختار بلمختار ويشكل جماعتة الجهادية الخاصة "كتيبة الملثمين".
بالإضافة إلى ذلك، ليس كل الجهاديين هم أعضاء في مجموعات هرمية. قد يتعاطفون أو ينتسبون مع مجموعة، ويحضرون معسكر تدريبي وربما حتى يقاتلون مع جماعة ولكن لا يكونون أعضاء رسميين للجماعة. لسنوات عديدة كان هناك مثل هؤلاء "الراديكاليين الأحرار" الذين يدورون داخل وحول الحركة الجهادية. في ستراتفور، نشير إلى هؤلاء الأفراد باسم الجهاديين الشعبيين.

كما لوحظ في الأسبوع الماضي، كان هناك أيضا جهد في السنوات الأخيرة لتشجيع مثل هؤلاء الجهاديين الشعبيين الذين يعيشون في الغرب لاعتماد نموذج المقاومة بلا قيادة والعمل بطريقتهم الخاصة أو يشكلون خلايا وهمية والتي لا يكون لها أي اتصال علني بمجموعة جهادية. ومع ذلك، تتطلب العمليات المستقلة أو الخلايا الوهمية أفراد منضبطين بشكل فريد ومدفوعين، ووُجِد في وقت لاحق أن معظم الأفراد الذي يقومون بالعمليات على طريقتهم الخاصة أنهم لديهم درجة معينة من الاتصال مع مجموعة جهادية.
مثل هذا الاتصال يمكن أن يتراوح من مناقشات البريد الالكتروني والدعم المالي المقدم إلى مجموعة جهادية في مثل هذه الحالات كما حدث في حادث اطلاق النار في قاعدة فورت هود بواسطة الميجور نضال حسن إلى مستوى معين من التدريب كما هو الحال بالنسبة لحادث اطلاق النار في ليتل روك بواسطة عبدالحكيم مجاهد محمد إلى التدريب والتمويل لجماعة جهادية مثل تلك التي تلقاها مفجر تايمز سكوير فيصل شاهزاد. في بعض الأحيان تفكر الجماعات في النشطاء الشعبيين كطائرات بدون طيار الاستهلاكية التي يمكنهم التلاعب بها وتجهيزها وإرسالها في مهمة انتحارية، مثل تلك التي كانت ستنفذ في عيد الميلاد بواسطة المهاجم عمر فاروق عبد المطلب.

لذلك عندما نسعى إلى تقييم حالة الحركة الجهادية، فنحن بحاجة إلى النظر في ثلاثة مستويات بارزة للجهات الفاعلة: نواة تنظيم القاعدة العابرة للأوطان والمجموعات الجهادية الإقليمية (وكثير منها جماعات امتياز لتنظيم القاعدة)، والجهاديين الشعبيين. وكما نوقش خلال الأسبوعين الماضيين، سيتم تحليل الحالة الراهنة لهذه العناصر للحركة الجهادية باستخدام أهدافها ونظرية الارهاب والتمرد الخاص بهم كمعايير لنا.
تقييم

كما ناقشنا لسنوات عديدة، على الرغم من التهديدات المتكررة (والعاجزة في نهاية المطاف) من قادة تنظيم القاعدة بهجمات وشيكة والتي قد تفوق 11/9 ، تحول التهديد الرئيسي من الحركة الجهادية من تهديد منبثق عن الجماعة الأساسية إلى تهديد ناشئ في المقام الأول من جماعات الامتياز والشعبية. في الواقع ، في وقت مبكر من يناير 2006 لاحظنا أن القاعدة فقدت قدرتها على تشكل تهديد استراتيجي للولايات المتحدة، وفي يوليو 2007 اختلفنا بشدة مع تقديرات الاستخبارات الوطنية التي قيمت تنظيم القاعدة باعتبارها قد تجددت إلى النقطة التي تجعلها أقوى من أي وقت مضى، متعارضا مع تقييمنا بأن تنظيم القاعدة الأساسي قد ضعف بشكل كبير ولم يعد يشكل تهديدا استراتيجيا لأرض الولايات المتحدة.

عندما ننظر إلى تنظيم القاعدة الأساسي فيما يتعلق بأهدافها وغاياته من تأسيس لإمارات، ومن ثم في نهاية المطاف إعادة تأسيس الخلافة، قد فشل تنظيم القاعدة الأساسي بشكل واضح. في الواقع، تسببت هجمات تنظيم القاعدة 11/9 في أن تقوم الولايات المتحدة بغزو أفغانستان وإسقاط الإمارة الجهادية الوحيدة القائمة، وهكذا وبعد 25 عاما من الكفاح المسلح، تنظيم القاعدة ليس أقرب إلى تحقيق أهدافه مما كان عليه عندما بدأ.

من حيث نظرية التمرد، تمسكت القيادة المركزية للقاعدة بوجهة النظر الفوكوية بأنهم بامكانهم أن التصرف بمثابة الطليعة العالمية واستخدام العنف لتهيئة الظروف اللازمة لانتفاضة عالمية في العالم الاسلامي كله. مرة أخرى، ومع ذلك، وفي حين استجابت بعض الجماعات والأفراد لدعوة القاعدة لتلك المعركة، إلا أنها كانت بعيدا عن أن توصف بالانتفاضة العالمية. في الواقع، معظم الجماعات التي نشير إليها باعتبارها جماعات امتياز للقاعدة كانت موجودة بالأساس كتنظيمات جهادية أو اسلامية والتي تولت القيام بالأعمال باسم تنظيم القاعدة . على سبيل المثال، تولت الجماعة السلفية للدعوة والقتال القيام بالأعمال باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في سبتمبر 2006.

رغم عقود من الجهد، لم يحقق المتمردون الجهاديون الكثير من النجاح في إسقاط الأنظمة القائمة في العالم الاسلامي. وفي حين كانت هناك عناصر جهادية شاركت في سلسلة ما يسمى بثورات الربيع العربي التي امتدت من تونس الى سوريا، لم يكن الجهاديون أبدا مسؤولين فعلا عن إطلاق تلك الثورات. حتى في الأماكن التي استفادوا فيها من الثورة والفراغ اللاحق لسلطة الدولة، كما هو الحال في سوريا وليبيا، كانت المسألة هو أنهم استفادوا من الوضع ولم يكونوا عامل القيادة في الانتفاضة. نفس الشيء يمكن أن يقال عن الحرب الأهلية في اليمن، والانقلاب في مالي والعقود من الفوضى التي تحيق بالصومال، والتي قدمت للمسلحين الجهاديين البيئات التي تسودها الفوضى والسيولة التي يزدهرون فيها.

في الواقع، بسبب عدم قدرتهم على قلب الأنظمة في العالم الاسلامي، ركزت الجماعات الجهادية في الكثير من جهودها المتمردة على مثل هذه البيئات الفوضوية، على أمل تكرار نجاح تجربة طالبان في خضم الفوضى والانفلات الأمني في أفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي. ولكن حتى في أماكن صاخبة مثل اليمن وشمال مالي والصومال، لم يكن الجهاديون قادررين على تحقيق نجاح كبير ودائم في السيطرة على الأراضي وإقامة إمارات.

وقد ركزت حكومة الولايات المتحدة وحلفائها على حرمان الجهاديين من القدرة على إنشاء ملجأ مع موارد دولة بأكملها، وكان عدم النجاح في عمليات المتمردين في الحركة الجهادية هو نتيجة مباشرة لهذه الجهود. في أماكن مثل اليمن ومالي والصومال، عندما أحرز الجهاديون بعض التقدم نحو إقامة دولة، أصبحت الجيوش الغربية منخرطة بنشاط أكبر، إن لم يكن مباشرًا، في العمليات التي صدت هذا التقدم.

على جبهة الإرهاب، شهدنا الحركة الجهادية تتحول الى النماذج العملياتية لتنظيم القاعدة أو حتى ما قبل تنظيم القاعدة. فهم لم يكونوا قادرين على ارسال الوسطاء المدربين تدريبا عاليا لتعبئة وتجهيز خلايا محلية، كما رأينا في تفجير مركز التجارة العالمي 1993 تفجيرات السفارة في شرق افريقيا عام 1998، أو نشر فرق محترفة من العملاء المهرة مثل تلك التي ظهرت في هجمات 9/11. بدلا من ذلك، انخفض تنظيم القاعدة الأساسي ليصبح أكثر قليلا من تنظيم للدعاية العامل في ميدان المعركة الايديولوجية بينما تتخذ جماعات الامتياز زمام المبادرة في الصراع الميداني.

كانت المجموعات الإقليمية قادرة على اعتماد الهياكل الهرمية في مناطق عملها ولكنها لم تتمكن من توسيع نطاق هذه التنظيمات لاستعراض القوة بعيدا جدا خارج المناطق الأساسية. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من جماعات الامتياز لم تسعى إلى شن هجمات عبر الحدود الوطنية إما بسبب عدم وجود القدرة أو عدم الاهتمام. اعتمد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في البداية على فلسفة استهدافية مماثلة لتلك التي لتنظيم القاعدة الأساسي، ولكن التفجيرات الانتحارية الكبيرة في داخل الجزائر أثارت رد فعل عنيف من العناصر الأكثر قومية للمنظمة، وسرعان ما عادت إلى هجمات وأهداف مثل تلك التي نفذتها في السابق باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال.

حتى مجموعة مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي سعت إلى شن هجمات إقليمية مثل محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف والهجمات العابرة للحدود مثل هجوم بقنبلة الملابس الداخلية يوم عيد الميلاد عام 2009، اضطرت لإجراء مثل هذه الهجمات من خلال إيفاد المفجرين من قاعدتها الخاصة للعمليات في اليمن بدلا من إرسال عناصر إلى المملكة العربية السعودية والغرب للتخطيط وتنفيذ تلك الهجمات.

هذا ليس فقط لأنها تفتقر إلى القدرة على إيفاد عناصر مدربة تدريبا جيدا في مواجهة البرامج الأمنية والمخابراتية المتنامية في عالم ما بعد 9/11 . قبل 11/9 ، كانت القاعدة والجهاديون أولوية لحكومة الولايات المتحدة، لكنها كانت مجرد أولوية واحدة من بين العديد من الأولويات. بعد 11/9 سرعان ما أصبحت القاعدة هي الهدف الرئيسي لجميع جوانب جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية - العسكرية والاستخباراتية والقانونية والدبلوماسية والمالية. وقد أسفرت هذه الجهود لمكافحة الإرهاب عن وفاة واعتقال العديد من الجهاديين، وقد كان لها أيضا أثر كبير على شبكات التدريب والاتصالات والسفر و جمع التبرعات لهم .

تمتلك كل جماعات الامتياز القدرة على إجراء هجمات ارهابية وتمردية في مناطق عملياتها الأساسية، ولكن عدد قليل جدا منها يمتلك القدرة على إبراز القوة العسكرية خارج هذه المناطق. لقد مضى أكثر من ثلاث سنوات منذ أن حاولت جماعة امتياز القيام بهجوم كبير في الغرب. وكانت محاولة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تفجير الطابعة في أكتوبر 2010، وكانت المحاولة الفاشلة لتفجير تايمز سكوير، التي كانت مرتبطة بطالبان باكستان، في مايو 2010، وقد فشلت كل تلك المؤامرات. وقد أدى هذا النقص على المدى الطويل للنجاح في مهاجمة الغرب إلى دعوة البعض داخل الحركة الجهادية للجهاديين الشعبيين لاعتماد نموذج المقاومة بلا قيادة .

وعلى الرغم من أنها اُصيبت بأضرار بالغة، تمكن تنظيم القاعدة حتى الآن من النجاة بالرغم من الاعتداءات الطويلة والمركزة ضده. وقد نجت أيضا الأيديولوجية العنيفة التي يشجع عليها. إذا تم تخفيف الضغط على تنظيم القاعدة الأساسي، فمن الممكن أنه يستعيد بعض قوته، ولكن هناك الآن تحديات أخرى سوف تضطر التنظيم للتعامل معها. الأول، من خلال الربيع العربي ، أظهرت القوى الديمقراطية في العالم الاسلامي أنه يمكنها أن تنتج الانتفاضات الجماهيرية اللازمة لإسقاط الأنظمة القمعية. لم يعد ينظرللأيدلوجية الجهادية باعتبارها هي الإجابة الوحيدة على الاضطهاد والقمع- هناك حلول أخرى أكثر فعالية لإحداث التغيير. الثاني، هناك قادة أخرين في العالم الجهادي الذين يمكن القول أنهم أصبحوا أكثر قوة وتأثيرا من قيادة القاعدة . هذان العاملان، بالإضافة إلى هجمات القادة الدينيين المسلمين ضد الأيدلوجية الجهادية، قد يثبتان في نهاية المطاف أنهما أكثر خطورة على تنظيم القاعدة الأساسي من تلك الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم.

سوف تقيم الدفعة القادمة من هذه السلسلة الوضع الحالي للمجموعات الجهادية الإقليمية أو جماعات الامتياز الأهم والحركة الشعبية.

الجزء الرابع: جماعات الامتياز والقواعد الشعبية

ستراتفور (سكوت ستيوارت) - 5 ديسمبر 2013

ناقشنا في الأسبوع الماضي الجزء الثالث من سلسلة قياس الحركة الجهادية، وقد بدأنا تقييمنا من خلال تعريف الحركة، والبحث في العلاقات بين مختلف الفاعلين وإلقاء نظرة تفصيلية على الوضع الحالي لتنظيم القاعدة الاساسي.

في الجزء الرابع من هذه السلسلة، نحن نوجه اهتمامنا للمجموعات الرئيسية المشاركة في الحركة وتقييم الظاهرة الجهادية الشعبية. من الواضح أنه لا توجد مساحة كافية في المقال الاسبوعي لتوفير تحليل شامل لكل مجموعة جهادية في العالم، ولكن هناك بالتأكيد مساحة كافية للتصدي للجماعات الأكثر أهمية.

الجماعات الإقليمية وجماعات الامتياز
القاعدة في شبه الجزيرة العربية

أحد أكثر جماعات الامتياز تأثيرًا في الحركات الجهادية هي القاعدة في شبه الجزيرة العربية. النشاط الجهادي في اليمن دوري. كانت اليمن هي مكان أول هجمات جهادية ضد مصالح الولايات المتحدة في ديسمبر 1992 وكانت كذلك موقع واحدة من أوائل الهجمات الضارية ضد الجهاديين في نوفمبر 2002. اعتبرت الحملة الأمريكية اليمنية ضد الجهاديين في اليمن ناجحة بالنسبة للحرب العالمية على الإرهاب، غير أن ما حدث في فبراير 2006 من هروب من سجن شديد الحراسة خارج صنعاء وكذلك الفوضى السياسية في اليمن قد سمحت للحركة الجهادية بإعادة تنظيم نشاطها.

وفي يناير 2009، تم تسريب فيديو يُعلن بأنه تم تشكيل فرع جديد للقاعدة ليندمج مع الجماعات الجهادية في اليمن وبقايا القاعدة في السعودية، والتي أجبرت على الهروب إلى اليمن وطلب الأمان هناك. وقد أطلقت هذه الجماعة على نفسها اسم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكما لوحظ الأسبوع الماضي فقد صارت الجماعة الجهادية العابرة للأوطان تلك الأكثر نشاطا لشن هجمات فاشلة ضد الحكومة السعودية والولايات المتحدة. ومن خلال مجلاتهم على الإنترنت العربية والإنجليزية – صدى الملاحم – فقد صارت أيديولوجيتها منتشرة بشكل كبير. وقد استفادت القاعدة بشكل كبير من الحرب الأهلية التي وقعت في اليمن عام 2011 حيث سيطرت على بقع كبيرة من جنوب اليمن. وفي ردهم على تلك التعديات والتجاوزات قام الجيش اليمني وحلفائه الأمريكيون بشن هجوم كبير مضاد ضد الجماعة في منتصف 2012 لتجبرها على التراجع عن الأماكن التي كانت قد سيطرت عليها والاختباء في أوكارها باليمن.

الجزء الأول من هذه السلسلة ناقش خطابين تم اكتشافهما في تمبكتو، مالي، وقد كتبهما ناصر الوهايشي، قائد القاعدة في شبه الجزيرة العربية وقد تم إرسالهما لعبد المالك دروكديل (وهو معروف باسم أبو مصعب عبد الودود) وهو قائد القاعدة في المغرب الإسلامي. في هذه الخطابات، لم يناقش الوهايشي السبب وراء عدم إعلان الجماعة الإمارة في جنوب اليمن فقط، وإنما ناقشوا الخسارة الفادحة في الرجال والسلاح جراء الهجوم من قبل الجيش اليمني والطيران الأمريكي أيضا.

وقد أخبرتنا هذه الخطابات أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية وبالرغم من احتلالها جزءا كبيرا فإنها لم تعلن الإمارة لأنها لم تحكم السيطرة هناك ولم تستطع تقديم الخدمات للناس. تحتفظ الجماعة بقدرتها على ضربات الكر والفر ضد الجيش اليمني والبنية التحتية للطاقة. كما قامت الجماعة بشن جملة من الاغتيالات موجهة لقادة قوات الأمن الحكومية وكذلك عمليات خطف ضد الأجانب من أجل زيادة الأموال التي يحتاجونها من أجل الاستمرار في عملياتهم. على كل حال، فقد عانت الجماعة تراجعا كبيرا خلال ال 18 شهرا الماضية وخسرت الكثير من مكاسبها. وهي الآن تحاول إعادة تجميع نفسها مرة أخرى غير أنها تقع تحت ضغط الجيش اليمني والهجمات الأمريكية الشرسة. كما أنه لا توجد مؤشرات حول مقتل صانعي القنابل لديهم وهو ما ينذرنا بأن هذه الجماعة لا تزال تحافظ على تلك الإمكانية.

الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام

شهدت الدولة الإسلامية في العراق والشام تاريخا من الصعود والهبوط تماما كما حدث للقاعدة في شبه الجزيرة العربية. شهد الجهاديون في العراق نجاحا كبير بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003. وفي 2004، صارت واحدة من أكبر هذه الجماعات – جماعة التوحيد والجهاد، التي يقودها أبو مصعب الزرقاوي – هي جماعة القاعدة المميزة وقد أعادت تسمية نفسها لتصير القاعدة في أرض الرافدين (العراق). وفي 2006، قامت هذه الجماعة المميزة بتشكيل نواة لتحالف الجماعات الجهادية تسمى الدولة الإسلامية في العراق. ظلت الجماعة فرع امتياز للقاعدة وقد كانت تحت إمرة قائد عراقي من أجل إعطاء الجماعة وجها عراقيا ومحاولة التغلب على بعض المشاعر الصعبة التي قام بعض قادتها الأجانب مثل الزرقاوي بإثارتها بين المواطنين العراقيين.

كانت صحوة الأنبار في 2006 – 2007 متزامنة مع اندفاع القوات الأمريكية في العراق 2007 وهو ما أدى إلى تدمير التنظيم على يد القوات الأمريكية والذي أدى بدوره لمقتل اثنين من كبار القادة في أبريل 2010. على كل حال، مع قلة عدد الجنود الأمريكيين وبداية انسحابهم من العراق استطاعات الجماعة أن تتعافى لتصبح واحدة من أكبر الجماعات الجهادية في العالم.

كانت الحرب الأهلية في سوريا بمثابة الهِبة والمنحة لهذه الجماعة. في البداية قامت بتقديم المساعدة للجماعات المجاهدة في سوريا مثل جبهة النصرة غير أنها ما لبثت أن صارت متورطة بشكل مباشر في القتال هناك وهي الآن أقوى الجماعات الجهادية الفاعلة في سوريا. في الحقيقة، فإن معاركها في سوريا جعلتها تغير اسمها ليصبح الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. وهي لا تقوم فقط بقتال النظام السوري والأكراد السوريين في الشمال السوري وإنما تقوم أيضا بفرض السيطرة على المدن السورية وكذلك مرافق إنتاج النفط.

أرادت الجماعة أن تقوم باستيعاب جماعات جهادية سورية أخرى من بينها جماعة الامتياز السورية للقاعدة، جبهة النصرة. وهذا ما جعل قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني يطلب من قائد القاعدة، أيمن الظواهري أن يبقي تركيز دول العراق الاسلامية على العراق ويترك مسؤولية سوريا على جبهة النصرة، غير أن قائد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام قد تجاهل أمر الظواهري . هذا التجاهل لأمر الظواهري لا ينعكس فقط على قوة الجماعة وإنما يثبت ضعف القاعدة.

إضافة إلى أنشطتها في سوريا، تواصل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هجماتها الإرهابية في العراق وقامت بتطوير عدد من العمليات الإرهابية المعقدة والتي أثبتت قدرتها على التخطيط لإدارة عمليات إرهابية ضد أهداف متعددة في العراق. كما أن للجماعة كذلك قوى فعالة تمتلك قدرات متطورة في صناعة القنابل. وبينما لم تظهر الجماعة بعد اهتماما بمهاجمة مناطق أخرى غير التي توجد فيها فإن قوة الجماعة المتنامية سوف تجذب بلا شك انتباه الولايات المتحدة وحلفائها من الذين لا يريدون صعود الإمارة الجهادية في قلب الشرق الأوسط.

القاعدة في المغرب الإسلامي

خلال السنوات الماضية، قامت قوات الأمن الجزائري بضغط هائل على وحدات القاعدة في المغرب الإسلامي والتي توجد في مخابئ داخل الجبال في شمال الجزائر. بالنسبة للوحدات الجهادية في جنوب الجزائر فإنها تتمتع بوضع أفضل بعض الشيء، وركزت الجماعة أكثر على تمويلها وجهودها اللوجيستية في هذه المنطقة. وقد كانت وحدات الجنوب قادرة على التحرك بحرية عبر منطقة الساحل من أجل اختطاف الأجانب للحصول على الفدية وكذلك يقومون بتهريب السلع ويشاركون في عمليات إرهابية في بعض الأوقات.
كما قامت القاعدة في المغرب الإسلامي باستغلال الفرصة التي وهبت لها من خلال الفوضى في شمال مالي عام 2012 لتقوم بالعمل مع حلفائها في الجماعات الأخرى مثل حركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا ولتسيطر على عدد من المدن هناك وتعلن إمارة إسلامية في شمال مالي. على كل حال، فقد انقسمت الجماعة بسبب خلافات داخلية وهي تتعارك من أجل السلطة. وفي أكتوبر 2012، قامت واحدة من وحدات القاعدة في المغرب الإسلامي والتي يقودها مختار بلمختار بالانشقاق لتصبح منظمة مستقلة. وقد أنهى الاحتلال الفرنسي لمالي في يناير 2013 وجود الإمارة الجهادية هناك بسرعة وكما حدث في اليمن فإن المجاهدين يعانون من خسارة كبيرة في الرجال والسلاح.

كما أن القاعدة في المغرب الإسلامي والحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا وجماعة بلمختار لا تزال تفرض تهديدا متمثلا في عمليات الخطف أو الهجوم على أهداف سهلة في منطقة الساحل كما حدث من قبل مجموعة بلمختار في يناير 2013 حيث هاجمت منشأة للغاز الطبيعي في الجزائر. غير أن هذه الجماعات قد عانت خسارات فادحة في السنوات الماضية، مثل خسارة العديد من الفاعلين فيها خلال عملية الهجوم على منشأة الغاز الطبيعي. وسوف تحتاج هذه الجماعات لبعض الوقت للتعافي والوقوف مرة أخرى. وبالرغم من التهديدات والمخاوف التي يمكن للقاعدة في المغرب الإسلامي أن تقوم بها والتي تمثل تهديدا لفرنسا وهو ما استداعاها للهجوم هناك، إلا أنه لا يوجد مخاوف من قيام هذه الجماعات بالهجوم في الداخل الفرنسي أو حتى أية مناطق أخرى خارج منطقة نفوذها. وهناك جماعات جهادية أخرى مثل أنصار الشريعة في تونس وانصار الشريعة في ليبيا يبقون على التواصل بينهم وبين القاعدة في المغرب الإسلامي وعناصر أخرى من حركات الجهاد الواسعة، غير أن مدى العلاقة بينهم غير واضحة إلى الآن. والمعروف أن أنصار الشريعة في تونس وليبيا يبقون على علاقات وطيدة بالكيانات القومية المسلحة في أوطانهم حيث يريد الجميع الحصول على استغلال ثورات الربيع العربي والفوضى الناجمة عنها والتي لا تزال مسيطرة على البلاد.

وبسبب ذلك تريد هذه الجماعات أن تكون أكثر قومية من القاعدة في المغرب الإسلامي والتي تريد أن توجد إمارة في الشمال الأفريقي. كما أن جماعات أنصار الشريعة في كل من ليبيا وتونس قد أظهروا قدرة على تنفيذ هجمات متمردة واغتيالات وتفجيرات، غير أنهم لم يقوموا بمثل هذا خارج منطقة نفوذهم حتى الآن.

بوكو حرام

عندما تنامت قوة فرع الجهاديين في نيجيريا، بوكو حرام، حتى صاروا يمتلكون القذائف الكبيرة والسلاح الثقيل في أبوجا، قام الجيش النيجيري بحملة كبيرة ضد الجماعة ودمر قواها وقدراتها. كما أن تدخل الجيش العنيف قد قلل كذلك من المناطق التي تسيطر عليها بوكو حرام في الشمال النيجيري، وبالرغم من ذلك فإن الجيش لم يستطع وقف الهجمات الإرهابية التي تقوم بها بوكو حرام في شمال نيجيريا. لا تزال الجماعة تركز على البقاء، وكان الضغط الذي مارسه الجيش عليها قد منعها من القيام بهجمات خارج منطقة نفوذها في نيجيريا وعلى الحدود مع الكاميرون.

حركة الشباب

توجهت أنظار العالم إلى جماعة الشباب بعد الهجوم المسلح الذي شنته في سبتمبر ضد مول ويستجيت في نيروبي، كينيا وكذلك هجومها في أديس أبابا في أكتوبر. وعلى كل حال، فإن الجماعة قد عانت من الاندحار في الشهور الـ 18 الماضية حيث قامت قوات الاتحاد الأفريقي بطرد الشباب من معاقلها التي كانت قد سيطرت عليها مثل ميناء كيسمايو وقطاعات عريضة في العاصمة مقدوشي. كما ان قتالا داخليا قد أنهك الجماعة أيضا في الشهور الأخيرة. وقد حدث هذا بعد ما قام قائد الجماعة أحمد عبدي جودان والمعروف باسم (الزبير) بقتل هؤلاء الذين كانوا يعارضون قيادته.

وبينما هم الآن في وضع دفاعي، فإن حركة الشباب أظهرت قدرة على تنفيذ هجمات معقدة داخل الصومال باستخدام حرب العصابات وكذلك تكتيكات إرهابية. وقد كان من بين هجماتها الإرهابية في الصومال النجاح في إنزال مفجرين انتحاريين وكذلك عربات كبيرة مفخخة. وحتى اليوم، فإن حركة الشباب تستطيع أن تظهر قدرتها على فعل كل شيء وأي شيء غير القيام بعمليات إرهابية خارج الصومال.

وقبل أن تقوم الجماعة بتهديد بلدان أخرى فعليها أن تقوم بتطوير قدرتها على تدريب الفاعلين فيها على طرق إرهابية جديدة لتنفيذ مهمات في أجواء قتالية كما يجب أن يكون لديها النية للقيام بمثل تلك الهجمات. ومع وجود جودان في القيادة، وهو الرجل القومي أكثر من غيره من القادة، فإن انتقال عمليات الشباب خارج الصومال أمر مستبعد. غير أنه مع تلك الحالة لا تزال هذه الجماعة تمثل تهديدا إقليميا.

طالبان

استغلت حركة طالبان الأفغانية حرب عصابات قديمة طويلة الأمد منذ احتلال أمريكا لأفغانستان في 2001 وكذلك مع الانسحاب المعلق للقوات الأمريكية من أفغانستان، وبذلك فإن استراتيجية الحركة المتأنية يبدو أنها تؤتي أكلها. تظل الحركة موجودة لترى إن كانت ستحصل على السلطة في أفغانستان أو على الأقل في مناطق الباشتون في البلاد حيث أنها لم يحصل أبدا أن سيطرت على جميع أنحاء أفغانستان وقد دخلت في حرب أهلية مع الحليف الشمالي أثناء الغزو الأمريكي في هذا التوقيت.

كما أن حركة طالبان الأفغانية حركة قومية جهادية ولم تبدي نية قبل ذلك في شن هجمات إرهابية خارج بلادها. إلا أن هناك بعض الأفراد والتنظيمات التي تسعى لذلك مثل شبكة حقاني. وبسبب الدعم الذي تتلقاه طالبان من حكومة باكستان فإنه يبدو أنهم سيصبحون أكثر قوة في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي سواء من خلال التسوية السياسية أو من خلال القوى العسكرية.

الجهاديون الشعبيون

كما أشرنا في الجزء الثاني من هذه السلسلة، دعا المنظرون الجهاديون للقواعد الشعبية الجهادية للنهوض وشن هجمات في الغرب لعدة سنوات حتى الآن. لكن على الرغم من نظرية القواعد الشعبية الجهادية المحددة بوضوح، لم تنتج تلك النظرية العديد من نشطاء القاعدة الشعبيين، وكثير من هؤلاء الذين لبوا الدعوة وسعوا للقيام بهجمات ضخمة ومذهلة - هجمات خارج قدراتهم. ويعني هذا أنهم اضطروا للبحث عن مساعدة للقيام بخططهم. وغالبا ما أدى هذا البحث عن المساعدة في القبض عليهم، تماما كما حذر آدم غدن من حدوثه في رسالة مايو 2010 بالدعوة لهجمات بسيطة ومستقلة. وهذا يعني أنه حتى الآن، فإن النهج الجهادي المعتمد على القواعد الشعبية فاشل إلى حد كبير، ولم ينتج بالتأكيد موجة ثابتة من الهجمات القاتلة في الغرب والتي قصدها مبدعوها. وقد أثبت بوضوح تفجير ماراثون بوسطن أبريل 2013 كيف يمكن لنموذج هجوم بسيط "من قنبلة مصنوعة في مطبخ والدتك" من أن يقتل الناس على نحو فعال ويخلق فترة طويلة من المسرح الإرهابي في وسائل الإعلام العالمية.

من الممكن تماما أن يساعد نجاح تفجير بوسطن المنظرين الجهاديين باقناع أخيرا نشطاء القاعدة الشعبيين بالتخلي عن خططهم الضخمة والبدء في اتباع نموذج هجوم بسيط بشكل جدي. إذا حدث هذا، فإنه سوف يثبت ليس فقط تاثير مميت ولكن أيضا كبير على إنفاذ القانون ومسؤولي الاستخبارات، الذين طوروا برامج فعالة جدا لتحديد عناصر القاعدة والاستفادة منها في عمليات اللدغة. إذا تبنى النشطاء على مستوى القاعدة الشعبية فلسفة الهجوم البسيط بشكل جدي، فإن على الأجهزة الأمنية بوضوح أن تتأقلم مع عملياتهم.

وفي حين أن الجهات الفاعلة على مستوى القاعدة الشعبية لا تملك العناصر الإرهابية المهنية ولا تشكل تهديدا خطيرا كما، إلا أنها تشكل تهديدا غير متبلور وأوسع بكثير والذي من شأنه أن يستمر وربما حتى يتكثف في المستقبل القريب.

الجزء الخامس : الآثار

نلقي في هذه الدفعة من سلسلتنا، نظرة على التقييمات الحالية لتنظيم القاعدة (والأفرع التابعة له) والأثار التي يقدمونها للأمن الشخصي والدولة.

12 ديسمبر 2013

ملاحظة المحرر : ندرس فيما يلي في الجزء الخامس من سلسلة دراسة الحركة الجهادية بشكل عام.

درسنا في الجزء الأول من هذه السلسلة، أهداف الحركة الجهادية لفهم معاييرهم لقياس التقدم المحرز. استطلعنا في الجزء الثاني، نظرية التمرد والإرهاب لمعرفة الكيفية التي يمكن أن تستخدم للمساعدة في قياس التقدم المحرز في مختلف الجهات الفاعلة في الحركة الجهادية. ثم في الجزء الثالث، عرفنا الجهات الفاعلة المتميزة التي تُشكل الحركة الجهادية وقدم لنا التقييم الحالي لتنظيم القاعدة الأساسي. قدمنا في الأسبوع الماضي، تقييمنا الحالي للجماعة الرئيسية الأم وللجماعات الجهادية الإقليمية، فضلا عن الجهاديين الشعبيين (القواعد الشعبية).

سوف ننظر هذا الاسبوع في التقييمات الحالية لجوهر جماعة القاعدة وجماعات الامتياز الرئيسية والإقليمية والقاعدة الشعبية للجهاديين لاستخلاص آثار ما يقدمونه لقوات الامن والمواطنين العاديين.
تحديد أرض المعركة

أولا، من المهم أن نفهم بشكل أساسي أن المعركة ضد الجهاديين هي في الأساس معركة ايديولوجية. يمكن أن يستخدم الحل العسكري وإنفاذ القانون والاستخبارات والمال والأدوات الدبلوماسية للحد من أو احتواء القوة والوصول إلى الجماعات الجهادية وخاصة في ساحة المعركة الفعلية. ومع ذلك ، طالما استمرت الأيديولوجية الجهادية وواصلت جذب أتباع لها بشكل أسرع من أن يتم قتلهم أو إلقاء القبض عليهم، فإنه لن يكون من الممكن وضع حد للتهديد الجهادي باستخدام برامج مكافحة الإرهاب التقليدية. الحل الأيديولوجي أصبح ضروريا.

في حين حاولت بعض الحكومات الغربية والأفراد شن حرب أيديولوجية ضد الجهادية، إلا أن غير المسلمين لا يقفون على أرض المعركة الايديولوجية. انها معركة يجب أن تشن من قبل المسلمين . بالتزامن مع انسحاب القوات الامريكية من العراق والخفض الوشيك لها في أفغانستان، سيتم إبطال العديد من الحجج الدفاعية للجهادين. وبدلا من ذلك، يمارس الجهاديون في معظم الأماكن، بما في ذلك باكستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، معظم قتالهم ضد إخوانهم المسلمين.

في الواقع، على مدى عقد مضي، قتل الجهاديون في الهجمات الإرهابية والمتمردة من المسلمين أكثر بكثير من غير المسلمين. تعمل هذه الحقيقة ، جنبا إلى جنب مع الطريقة التي حكم بها الجهاديون مناطق خضعت لسيطرتهم مثل اليمن ومالي والصومال وسوريا، على تقويض الفكر الجهادي ليظهر للمسلمين أن حكم الجهاديين لا يثمر الجنة على الأرض.

الضعف ليس بالضرورة دائم

تقييمنا للتنظيم الأساسي للقاعدة هو أنه تم اضعافه الى حد بات فيه عديم الجدوى عسكريا وتضاؤل تأثيره الإيديولوجي. وكما لاحظنا في شهر يونيو، فقد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري السيطرة على الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام - وهو انعكاس واضح لعدم الأهمية الأساسية التنظيمية لتنظيم القاعدة بالنسبة لبقية الحركة الجهادية. إذا أخرجنا الظواهري والقادة الرئيسيين الأخرين للقاعدة غدا، فبالكاد ستتأثر الحركة الجهادية على النطاق الأوسع.

ومع ذلك ،فإن هذه الحالة من عدم الجدوى ليست بالضرورة دائمة. انتعشت جماعات الامتياز للقاعدة في العراق واليمن واستعادت قوتها بعد تعرضها لخسائر كبيرة في ساحة المعركة. مرونة هاتين المنظمتين جعلتهما أقوى جماعات الامتياز بتنظيم القاعدة في العالم. وهم مدينون بتعافيهم لمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك القيادة القوية والفعالة والظروف المحلية المواتية والهروب من السجن والحصول على الأسلحة والتمويل.

استخدمت الولايات المتحدة كل محتويات أدوات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة الأساسية لأكثر من 12 سنة، ولكن اذا خففت واشنطن من ضغطها، وإذا وجدت قيادة القاعدة بعض المساحة للعمل، فمن الممكن للقاعدة أن تبدأ في استعادة قوتها. حاليا، يبدو أن الظواهري الغضوب والانعزالي يقيد تجديد الجماعة الأساسية لأنه يفتقر إلى الكاريزما والحضور مقارنة بأسامة بن لادن - ناهيك عن ثروة بن لادن الشخصية واتصالاته. في الواقع، لم يكن الظواهري فعالا جدا في قيادة جماعته الخاصة، الجهاد الإسلامي المصري، التي ضعفت وانقسمت قبل أن ينصهر الظواهري والموالين له في تنظيم القاعدة. وإذا اُتيح لتنظيم القاعدة المساحة والفرصة، فمن الممكن أن يظهر زعيم أكثر فعالية ليحل محل الظواهري، ولكن في الوقت الحاضر، ليس هناك إشارة على هذا الزعيم، ويبدو أن هذا الانخفاض سوف يستمر في تنظيم القاعدة الأساسي.

الاستفادة من النزاعات الجيوسياسية

منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979، استفاد الجهاديون كثيرا من كونهم بيادق في صراعات جيوسياسية أكبر. ونحن نرى هذا يحدث مع طالبان، التي حمتها حكومة باكستان من القوة العسكرية الأميركية بحيث يمكن لاسلام اباد الاستمرار في استخدام الجماعة كوكيل لضمان وجود قوة موالية لباكستان في أفغانستان بعد انسحاب القوات الامريكية. ارتعب الباكستانيون من كونهم علقوا بين هند معادية أو إما مؤيد للهند أو أفغانستان العدوانية. وهم يعتقدون أن جيرانهم من الغرب يوفرون لهم عمق استراتيجي ضد التهديد من الهند، وبالتالي يريدون ضمان وجود حكومة أفغانية صديقة.

أحد العوامل الرئيسية التي ساعدت على تعزيز عودة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هو الصراع الجيوسياسي بين القوى السنية والشيعية الذي يجري الآن في العراق وسوريا ولبنان. بدلا من تدمير كامل للدولة الإسلامية في العراق بعد صحوة الأنبار، قرر بعض شيوخ العشائر السنية السماح للجماعة الجهادية بالبقاء على قيد الحياة بحيث يمكن استخدامه اضد القوة الشيعية المتزايدة في البلاد.

دعمت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الجماعات الجهادية أيضا في سوريا ولبنان في محاولة لمكافحة نظام الأسد وحزب الله، وكلاهما حليفان لإيران. وقد أدى هذا الدعم السخي ليس فقط لنمو الجماعات الجهادية في لبنان وسوريا ولكن كان بمثابة نعمة أيضا على دولة العراق الإسلامية، مما جعلها قادرة على التوسع والتطور لتصبح الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. كان صعود الجهاديين في سوريا عاملا مهما في قرار إدارة أوباما ضد مهاجمة وإضعاف نظام الأسد حتى بعد أن تخطى الأسد "الخط الأحمر" باستخدام أسلحة كيماوية. سيمنح السماح لنظام الأسد بالبقاء والاستمرار في محاربة الجهاديين في سوريا الولايات المتحدة بعض الوقت للتخطيط لمسار عمل تريد أن تسلكه لمواجهة مكاسب الجهاديين نحو إقامة إمارة في سوريا .

نطاق العنف

حاليا لا تزال معظم أعمال العنف التي ترتكبها الجماعات الجهادية محصورة في مناطق عملياتهم الرئيسية، مع زيادة محدودة في بلاد أخرى في مناطقهم الرئيسية - على سبيل المثال، عمليات الخطف لبوكو حرام في الكاميرون قرب الحدود النيجيرية أو على مستوى منخفض الهجمات لحركة الشباب في أماكن مثل كينيا وإثيوبيا. وحتى تلك الجماعات التي تستهدف مهاجمة الولايات المتحدة والغرب سوف تستمر في نضالها من أجل تحقيق النجاح عن بعد وهذا يرجع لقدراتها وحرفيتها المحدودة.

وفي حين أن بعض الجماعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد مولوا أنفسهم طويلا عن طريق الخطف مقابل فدية، فإن الجماعات الأخرى مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية و بوكو حرام تعتمد بشكل متزايد على التكتيك. سوف تظل تلك الملايين من الدولارات التي تحصل عليها هذه الجماعات الجهادية من عمليات الخطف مصدرا مهما للدخل حيث إن المصادر الأخرى بدات تجف. وسوف تصبح أيضا بعض الأنشطة غير القانونية الأخرى مثل التهريب والابتزاز ذات أهمية متزايدة مع تضاؤل الأموال. تمكن هذه الأنواع من الأعمال الإجرامية الجماعات من تمويل أنشطتها، ولكنها أيضا تحول انتباه أعضائها بعيدا عن الأنشطة المسلحة الأخرى.
تواصل الجماعات الجهادية أيضا محاولاتها لتشجيع الجذورالشعبية للجهاديين لتنفيذ هجمات مستقلة بشكل دائم في الأماكن التي بها جماعات ضعيفة وليس لديهم القدرة على شن هجمات فعالة. سوف تحاول الجماعات المتشددة استخدام أي قواعد شعبية للجهاديين من الغرب الذين يقتربون منهم، ومن ثم تحويل مثل هؤلاء الأفراد لتنفيذ هجمات ضد اهداف غربية. لحسن الحظ، معظم الجهاديين الغربيين هم أكثر تركيزا على الجهاد في الصومال أو سوريا أكثر من تركيزهم على شن هجمات في سياتل، على الأقل حتى الآن .

عموما، في حين سوف يستمر الجهاديون في التمرد والهجمات الإرهابية، إلا أنهم سيظلون كقاتل مزمن ومصدر للإزعاج أكثر من كونهم تهديد استراتيجي طالما لا يُسمح لهم بتسخير والسيطرة على موارد دولة قومية.