مصر لم تعتقلني مع زملائي بالجزيرة لكنها أرغمتني على التخلي عن المهنة التي أحب

الإندبندنت – سيو تورتون – 21 يوليو 2015

الإندبندنت

ارتفاع حجم المخاطرة بالنسبة لي كصحفية بسبب معاهدات تسليم المدانين.

برزت رسالة على شاشة هاتفي عبر تطبيق (واتس آب) وجعلت حوائط غرفتي الفندقية تضيق عليَّ شيئا فشيئا وكان مضمون الرسالة: " لا أقصد أن أشعرك بالقلق لكن صحفيا يعمل مع الجزيرة قد تم القبض عليه في برلين بطلب من الحكومة المصرية"، وكان ذاك الصحفي هو أحمد منصور مراسل قناة الجزيرة العربية الذي تم الحكم عليه غيابيا وإصدار مذكرة ضبط وإحضار مصرية بحقه، وقد كنت في نفس الموقف حيث تم اتهامي والحكم عليَّ غيابيا في مصر على خلفية اتهامي وثمانية من زملائي بالاشتراك في جرائم ومساعدة جماعة إرهابية (جماعة الإخوان المسلمون)، ولم نزد على أن بذلنا قصارى جهدنا في ظل حملة القمع ضد الإعلام في مصر لكن انتهى الأمر بالحكم عليَّ بالسجن لعشر سنوات في محاكمة زائفة، لذا انتهى الأمر بي فعليا إلى عيش حياة الهاربين وقد كنت حذرا جدا من السفر إلى بلاد قد تقوم بتسليمي إلى مصر، ولم تكن ألمانيا على هذه اللائحة، فلقد دخلت وخرجت من مطار تيجيل بنفسي منذ عشرة أيام لا غير، ثم استقريت في بودابست ويعتريني الشعور بالقلق كنت على علم بأن هناك معاهدة تسليم للهاربين بين مصر والمجر، لكن الأمر يسري بصورة مختلفة في أوروبا، فالكتلة الغربية قد أسقطت التهم المثبتة ضدنا لكونها ملفقة وذات دافع سياسي معترفة أن مصر كانت تحاول معاقبة قطر على مساندة الإخوان المسلمين، حتى إن الإنتربول قد قام بإدراج ملاحقة مصر للصحفيين تحت بند ما لا يمكن تنفيذه، وكان اقتراح صديقي في الدوحة الذي أرسله عبر (واتس آب) هو "إن كنت قلقا فبإمكانك استقلال القطار عبر الحدود ومن ثم استقل طائرة للعودة من هناك" فقمت بالدخول إلى (خرائط جوجل) على الإنترنت وبحثت عن آمن مكان بين الدول المجاورة للمجر لكن انتهي بي المطاف في الصباح إلى التوجه إلى مكتب مراقبة الهجرة ببودابست داخل مطار فرانز ليست، وقام الضابط ذا اللباس الرسمي بالتقاط قلمه وسألني إلى أين أريد السفر فأجبته "الدوحة"، قال: "أين؟"، رددت:" الدوحة في قطر"، ثم قام بخط شيئا ما على تذكرتي ومن ثم أرسلني، وبدأت الغصة في حلقي تذهب بعد أن رن هاتفي، وكان المتصل هم وزارة الخارجية البريطانية يتصلون ليطمئنوني أنه بعد اعتقال منصور فإنهم لم يلبثوا يبحثون موضوع أمني الشخصي أثناء السفر داخل أوروبا، الأمر مر عليه أكثر من 17 شهرا منذ أن وضعتني مصر على قائمة الاعتقالات خاصتها لكن انقضاض ألمانيا على زميلي عنى أنه يجب إعادة تقييم الموقف برمته، فقد قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة ميركل قبل أسبوع من هذه الحادثة، وقد قام ديفيد كاميرون بتوجيه دعوة رسمية للسيسي ليزور المملكة المتحدة لاحقا خلال العام الجاري، هل يعني هذا أنني يجب أن أقلق من احتمال رجوعي لوطني؟

بدى الأمر بنهاية المطاف أن اعتقال منصور كان أمرا إجرائيا أكثر منه فخا منصوبا، لكن ترسخ الأمر في وجداني أن مهنتي كمراسل متنقل أصبحت أكثر صعوبة بشكل متزايد، فقد انضممت إلى شبكة الجزيرة كمراسل من أفغانستان منذ 5 سنوات مضت وقمت معظم الوقت بتغطية الحروب والصراعات وتعمقت في شأن الثورة الليبية والحرب السورية والعراق وبيروت ومصر وروسيا، لكني اضطررت خلال العام الماضي إلى رفض رحلات إلى موريتانيا والصومال وليبيا وما ورائهم بسبب اعتقادي الملازم لمصر، وكانت آخر جولاتي بدولة جنوب أفريقيا حيث لدي مصر اتفاقية تسليم هاربين معها أيضا لكن رؤسائي كانوا راضيين عن ظروف سلامتي هناك، وذات صباح بينما أنا في فندق جوهانسبرج هوليداي قمت بتشغيل التلفاز لتطالعني صورة الرئيس السيسي جالسا يحتسي الشاي مع الرئيس جاكوب زوما، وأنا أمتلك جواز سفر ثان برقم مختلف عن الوارد بمذكرة الاعتقال المصرية بحقي لكن بصفتي مراسل لم يكن بإمكاني الخروج والدخول من البلاد دون لفت الأنظار، فأنا أراسل على شاشات التلفاز مباشرة عبر أنحاء العالم بما في ذلك في القاهرة، لذا تخليت عن سترتي الواقية ومهنتي معا، وهذه الانتكاسة التي طالت مسيرتي المهنية لا تعد شيئا بالمقارنة مع الشهور الطويلة التي قضاها ثلاث من زملائي في السجن والمنع من السفر الذي استمر حتى صدور إعادة النطق في قضيتهم بحلول نهاية يوليو/تموز، مصر لم تسلبني حريتي لكنها جعلت عالمي مكانا أضيق مما كان عليه..بكثير.