ميدل ايست مونيتور: علاقات السعودية مع الإخوان المسلمين, الحنين إلى الماضي

 -  25 مايو، 2015
 

كان العامين الماضيان في غاية الصعوبة على الأخوان المسلمين. فقد كان إعلان الإخوان المسلمين منظمة إرهابية من قبل القوى الإقليمية بمثابة نكسة سياسية وعسكرية ودبلوماسية للحركة. ولقد غذى ملك السعودية الراحل عبد الله هذه المعارضة لأن الوضع ما بعد الربيع العربي في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا قد ترك الأنظمة القديمة، الجمهوريات والممالك على حد سواء، مع شعور بعدم الأمن. والآن، وفي جميع أنحاء المنطقة، أصبح كونك مؤيد للإخوان المسلمين بمثابة الصفة المسيئة، أو اتهام مجرد ينتج عن جنون الاضطهاد، مثل النعت بالشيوعية في وقت الحرب الباردة الأمريكية.
 

 

عندما تأسست جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، اكتسبت شعبية على الفور ليس بسبب مقاومتها للاستعمار والصهيونية فقط ولكن بسبب أيضا القدرات الكبيرة التى تحظى بها شبكة الإخوان. ولقد كانوا في ملاذ آمن أثناء حكم الملك فاروق الفاسد. وقد أسس الإخوان المسلمون شبكة ممتدة لمساعدة المحتاجين وكان تفانيهم في خدمة القضية الفلسطينية أمرا في غاية الأهمية في فترة الثلاثينات. مكنت جهودهم الناس من النظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إسلامية، أكثر من كونها قضية قومية. وأصبحت الحركة شبكة إقليمية ولها فروع في عدة دول، بعد أن اكتسبت جماهرية في العالم العربي. ولقد كان لمؤسس الجماعة حسن البنا علاقات جيدة مع السعودية، بالرغم من قلق السعودية من منحها التأييد الكامل. وخلال الستينيات، كان بين الإخوان المسلمين والسعودية علاقة ودية واضحة حيث وجدت مصالحهم الثنائية أرضية مشتركة في بلد واحد، اليمن (فهل يبدو ذلك مألوفا؟). فقد اتفقوا على حاجتهم لقمع انتفاضة والتي كانت ضد مصالحهما.
 

 

وسيكون التحدث عن الحلف الاستراتيجي غير مجديًا عند تجاهل العدو المشترك. كان جمال عبد الناصر العنكبوت الذي نسج خيو السعودية والإخوان المسلمين معا. وهذا لا يعني أن السعودية لم تسع إلى إقامة تحالف مع الرئيس المصري. في عام 1955، وقعت السعودية ومصر اتفاقًا ثنائيًا لتقويض القوة الهاشمية العراقية والتي جاءت جنبا إلى جنب مع اتفاقية بغداد، اتفاقية مع البريطانيين والأمريكيين لاحتواء الاتحاد السوفيتي. وقد أدى الوضع في اليمن إلى حدوث توافق بين السعودية ومصر كفرصة للضغط على بريطانيا من خلال عدن، ولذا فقد قاموا باتفاقية التضامن العربي. إن موقف عبد الناصر ضد العرب الذين تحكمهم الملكيات وتحالفه مع الاتحاد السوفيتي فاق تصور أي طرف. وبشكل غير مفاجئ، انتهى الاتفاق في أخر العام.
 

 

عندما زاد اضطراب اليمن في فترة الستينيات، تم تدبير انقلاب بمساعدة عبد الناصر ضد الملك إمام البدر، الذي حكم لأسبوعين فقط. أرسل جمال عبد الناصر قوات إلى شمال اليمن لمساعدة قائد الانقلاب، عبد الله السلال، الذي كان يؤيد عبد الناصر وينوي تحويل اليمن إلى جمهورية. وكان هذا لا يهدد وحسب النفوذ البريطاني بل ويهدد المملكة العربية السعودية أيضا، حيث أنه لو انتشر المد المضاد للممالك فسوف يضر ذلك النظام السعودي. لذلك، لم يكتف السعوديون والبريطانيون بتشكيل تحالف لدعم القوات الملكية لعودة البدر إلى السلطة، ولكن أرادت الرياض أيضا زعزعة حكم جمال عبد الناصر في مصر. لذلك، من الذي  كان يمثل الخيار الأفضل للسعوديين لتمويل هذا الغرض من الشوكة في ظهر عبد الناصر، جماعة الإخوان المسلمين؟
 

 

 حملة القمع التي قام بها جمال عبد الناصر ضد الحركة، التي تضمنت التعذيب، تسببت في لجوء عدة مسؤولين وأعضاء من الجماعة إلى السعودية. وقد ساعد وجود الإخوان المسلمين على أرض السعودية الرياض حيث أصبح أعضاء الجماعة معلمون في مدارسها بسبب النقص آنذاك في المعلمين المؤهلين. عندما آتي الملك فيصل إلى الحكم في عام 1964، توسع المشروع التعليمي حيث تعهد الملك بمنح الفتيان والفتيات تعليما لائقا، وقام بدمج الإخوان المسلمين داخل النسيج الاجتماعي السعودي. وقد هرب شقيق سيد قطب، القيادي الإخواني البارز، من مصر بعد إعدام عبد الناصر لشقيقه بفترة وجيزة، ثم أصبح محمد قطب محاضرا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. ومع وجود المصالح والمنافع السياسية المتبادلة، أمكن تحقيق تحالف جيد، طالما قَبِل الإخوان بالهيمنة السعودية بدون اعتراض. 
 

 

تأثرت العلاقات بين الطرفين عندما أيد الإخوان المسلمون الثورة الإسلامية الإيرانية. وقد دافع الإخوان المسلمون عن موقفهم بأن دوافع إسقاط الشاه الذي كان ينظر إليه باعتباره فاسدا، ليس فقط كونه علمانيا، ولكن أيضا بسبب وحشية نظامه ضد الشعب الإيراني. وعلى الرغم من ذلك، اعتبر السعوديون تلك الانتفاضة انتفاضة شيعية معادية للملكية قد تهدد نفوذهم وتهدد الإسلام السني. واختفت المساندة الاستراتيجية بين الإخوان المسلمين والسعودية، وازدادت الأمور سوءا.
 

 

ومع قدوم الربيع العربي، اشتد الخلاف بين الرياض والجماعة. وقد خلقت الديمقراطية، وانهاء فساد الحكومات، والتأييد الواسع للإخوان المسلمين، الذي برهنت عليه الانتخابات الديمقراطية في مصر وتونس، وظهور الإخوان المسلمين كأبطال المظاهرات التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الداعية للعدالة الاجتماعية، الشعور بإحتمالية إطاحة الإخوان المسلمين بالنظام السعودي ونفوذه على العالم الإسلامي السني . ولقد غامر الملك الراحل عبد الله وشن حربا ضد الإخوان المسلمين، وأعلنها جماعة "إرهابية" واتخذ موقفا متشددا ضد أي شخص يؤيد الإخوان المسلمين في السعودية، وألقى القبض على المواطنين منهم وقام بترحيل الأجانب، حيث يتم إعدامهم أو تعذيبهم في بلدانهم. وقد رحب الملك عبد الله بالانقلاب المصري بشدة، وتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان، والإعدامات الجماعية، والمذابح، والاعتقالات، وتعهد بمنحهم دعم بقيمة مليار دولار. وبعد وفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان، تغيرت الحالة وخففت السعودية من عدائها تجاه الإخوان المسلمين حيث تغير أيضًا الموقف السياسي في المنطقة.
 

 

تماما وكما حدث في الستينيات، هناك عدو مشترك لمحاربته في الوقت الحالي وداخل نفس البلد التي لديها الأهمية الجغرافية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية: اليمن. تعتبر الحكومة في الرياض الاضطرابات اليمنية الحالية انتفاضة شيعية يقوم بها الحوثيون بالوكالة عن الإيرانيين الذين يمكن أن يصل نفوذهم إلى أرضهم. كما يهدد الحوثيون الإخوان المسلمين في اليمن، والمعروفون هناك باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح، بشكل مماثل، لذلك يسعى الملك سلمان الآن إلى تقويض التغلغل الإيراني في العالم العربي وهيمنة الشيعة حسب ما يرى من خلال تحسين العلاقات مع الحركة. 
 

 

من الواضح أن السعودية تقيم علاقات دبلوماسية على أسس استراتيجية. فهي تميل إلى تشكيل تحالفات عسكرية لمكافحة الأعداء المشتركين. حتى الآن، أعطى الوضع المهيمن السعودية القدرة على ذلك. ومع ذلك، لن تكون تلك السياسة مستدامة، وفي منطقة أصبحت غير مستقرة بشكل متزايد، تحتاج الرياض للتركيز على إيجاد تحالفات طويلة الأجل وأجندة سياسة خارجية طويلة الأمد. ربما انهى دعم السيسي في حملته ضد الإخوان المسلمين ما رآه السعوديون تهديدا، ولكن العمل مع قوة سنية ناشئة في الوقت الذي لايزالون يخشون من وجود إيران على حدودهم كان يمكن أن يكون استراتيجية مناسبة طويلة المدى من شأنها أن تمنع أيضا تعذيب ألاف المدنيين وقتلهم.

 

بشكل واقعي، لن يتوافق الحلفاء أبدا على كل الأمور، وهذا هو السبب في أن استراتيجية الدبلوماسية هي فن في حد ذاتها. قد يكون لدى الحلفاء أيديولوجيات مختلفة، وسياسات مختلفة وأساليب مختلفة لتنفيذ السياسات المتبادلة. نقطة التحالف ليست الحصول على أفضل صديق يتبعك في كل ما تريد ويزيل أي أمر يعترض طريقك، ولكن تحقيق الأمن من خلال علاقات مستقرة مع القوى العالمية المتغيرة باستمرار. هذا هو الأمر الذي يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من الثقافة الدبلوماسية السعودية لضمان الاستقرار الذي تتطلع السعودية إلى تحقيقه.