التصعيد المتبادل في مصر
مختار عواد وناثان براون
9 فبراير 2015
منذ سقوط الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013 صار الخطاب السياسي في مصر ساخنا للغاية. غير أن هناك أمر مختلف يبدو أنه يجري على قدم وساق في المعسكرين. فبين مؤيدي الإخوان المسلمين، هناك أعذار خفية للعنف السياسي وهي تفتح المجال لدعوات أكثر انفتاحا. أما جانب النظام الذي يترأسه السيسي الآن فهناك محاولة لتحريك المؤسسات الدينية للدولة من قبول قمع الإسلاميين إلى دعم العرقية بينما يقوم النظام باستخدام الإعلام لتوجيه الغضب إلى الجهاديين والإسلاميين.
كلا الطرفين يلوم الآخر على التصعيد، بينما كلاهما يرى في تحركه أمرا يخدم مصالحه. وفي سبيل ذلك، فإن الطرفان يظهران تجاهلا مقلقا لقبول تحمل مسؤولية كلماتهم التي ينطقون بها. كما أن تعنتهما ربما يصير قريبا نبوءة تحقق نفسها تضمن تصعيد الصراع في البلاد والتي بالفعل تشهد واحدة من أعنف الأزمات السياسية في التاريخ الحديث.
إن التصعيد الخطابي أمر ملحوظ للغاية. ففي قناة تبث من اسطنبول، على سبيل المثال، يقوم مذيع على قناة مصر الآن التي يمولها الإخوان ويديرونها بإرسال رسالة خطيرة قائلا، "إنني أقول لجميع زوجات الضباط .. سوف يموت أزواجكم وسييتم أطفالكم ... فهؤلاء الأطفال (الثوريين) سوف يقتلون الضباط في مصر." لم تكن هذه حادثة منفصلة في قناة مصر الآن التي تؤجج مشاعر العداء. فهناك قنوات ثلاث أخرى في تركيا (الشرق ومكملين ورابعة) تصدر نفس الخطاب العدائي وتثمن مقاومة الشعب وتشجع على مقاومة النظام. وهناك في القاهرة نجد نقدا لاذعا على نفس المنوال حيث يقوم الإعلام الموالي للحكومة المصرية بربط الإخوان المسلمين بجماعة أنصار بيت المقدس في سيناء والتي تسمي نفسها "ولاية سيناء". وقد صنف النظام المصري الإخوان المسلمين على أنهم أعداء للدولة المصرية ولابد من محاربتة هذه الجماعة ولامها في عدد من المؤامرات التي تحاك ضد المصالح المصرية.
إن تبني الإسلاميون والإخوان خطاب المواجهة كان واضحا في الرسالة الأخيرة للثوار: "وأعدوا" وهي الرسالة التي رفعت على الموقع الرسمي للإخوان. وقد تضمنت الرسالة التالي، "إننا في بداية مرحلة جديدة نلجأ فيها للقوة ونحث فيها على الجهاد ونعد أنفسها وزوجاتنا وأبنائنا وبناتنا وكل من يتبع طريقنا للجهاد حيث نطلب الشهادة." وبينما لم يدعو هذا المقال المثير للجدل إلى العنف فإن الكثير من المصريين فسروه بذلك.
هذا أمر له دلالة، غير أن تبني الإخوان المسلمين لمشاعر أكثر مشاكسة لم يرتقي بعد للتنصل الكامل من المسار السياسي الذي اتخذوه منذ السبعينيات والثمانينيات عندما كان التلمساني مرشدا عاما للجماعة والذي تبني التغيير التدريجي وقام بنبذ العنف والثورة. وهناك مؤشرات على أن سلوك المواجهة المتصاعد بين الشباب في مصر يزحف للتسلسل الهرمي. ومنذ سقوط مرسي، أصر قادة الإخوان المسلمين على أن قرارهم الاستراتيجي كان عدم اللجوء للعنف، ولكن لأنهم لا يقدرون على كبح جماح الشباب الغاضب وخصوصا من هم خارج الجماعة أو حتى شبابهم فإن مواجهة العنف سوف تكون ردا متوقعا.
ولا تزال جماعة الإخوان حركة متنوعة ذات اتجاهات مختلفة. فأفكار سيد قطب وعبد القادر عودة لم تختف يوما من الجماعة. ولكنهم قاموا بتفسيرها بطريقة غير عنيفة وبقيت هذه الأفكار تحت السيطرة من قبل التسلسل الهرمي القوي. وفي الفترة التي أعقبت سقوط مرسي بدت القيادة العليا للجماعة وقد خسرت شيئا من قبضتها المحكمة وبعضا من من رغبتها في استيعاب التحول الكائن. كما أنه ليس للجماعة أي سلطة على أولئك الذين طالما كانوا متعاطفين مع الإخوان ولكنهم لم ينضموا لصفوف التنظيم. فالشباب القطبي الجديد الذي يعتنق بشكل كبير الجهاد وينبذ الديمقراطية بدأ في الظهور بشكل بسيط بعد مذبحة رابعة العدوية في أغسطس 2013. وقد اتهم شباب مشهور أمثال أحمد المغير وعبد الرحمن عز في البداية بأنهما أدوات في يد المخابرات المصرية وذلك بسبب دعواتهما المستمرة للعنف. ولكن الآن أفكارهما صارت يؤخذ بها.
كما أن الداعية الإسلامي الشهير وجدي غنيم والذي يقول بأن كل من يؤيد السيسي مرتد وحتى قبل مذبحة رابعة، يستضاف أيضا على القنوات المؤيدة للإخوان المسلمين. وبعد خطاب السيسي في يناير حول الثورة على الإسلام صار الاتهام بالكفر معيارا في قنوات الإخوان المسلمين. وأفتى الشيخ سلامة عبد القوي عضو في الإخوان المسلمين، بأن قتل السيسي واجب وأن من قتله فقتل كان شهيدا، ووقتها وافقه المذيع على ذلك.
إن قنوات الإخوان أيضا تزيد استضافة من يؤمنون بنظريات المؤامرة الراديكالية مثل صابر مشهور والذي نعت الجيش بأنهم "محتلون" و "غزاة يحاربون المسلمين في مصر." وقد أصدر عددا من النصائح لضرب قوات الجيش ودباباته بالصواريخ ومدافع الجرينيد. وقد صدر خطابا أيضا يحث فيه على اتباع نموذج الثورة الإيرانية.
وخلال العام الماضي قامت مجموعات تسمي نفسها "المقاومة الشعبية" و "حركة العقاب الثوري" بتنفيذ إطلاق النار وهم يركبون دراجات بخارية على ضباط الشرطة وتفجيرات في منشئات عامة وأعمال خاصة وزرع متفجرات في أماكم متعددة. وفي الأسابيع التي سبقت ذكرة ثورة يناير أيدت قناة تابعة للإخوان هذه المجموعات بل إنها دعتهم لاستهداف شخصيات إعلامية موالية للحكومة. هذه المجموعات ربما تكون عنيفة ولكنها ليس جهادية من الناحية الأيديولوجية، وربما يتغير هذا المنهج.
ويحاول النظام من جانبه جاهدا لتهدئة الأمور. فمسؤولي الإعلام والإئمة يرفضون بشكل متزايد التمييز بين أنصار بيت المقدس والإخوان المسلمين. بعض الشخصيات الإعلامية المؤيدة للنظام لا يزالون يواصلون خطابهم الدموي منذ 2013 مثل المطالبة بأن يصير وزير الداخلية قاتلا. وبعضهم أيضا طالب القوات الخاصة بالتدخل في المطرية والتي كانت على وشك أن تشهد اعتصاما آخر للإسلاميين. أما عمرو أديب فقد قام باستغلال حادثة حرق الدولة الإسلامية للطيار الأردني قائلا أن أطفال الإخوان يبدون أمثالهم.
إن قرار الإخوان باعتناق عناصر العنف والخطاب الراديكالي إنما تتحمل مسؤوليته بشكل غير مباشر، غير أن البيئة الخصبة لمثل هذا التطرف والتي هيأتها الحملات القمعية للنظام لا يمكن تجنبها. سوف يواصل الراديكاليون خلق أعذار إلا أن انتهاكات السجناء والإجراءات الأمنية القمعية هي الوقود الذي يجعلهم يحلمون بالمواجهة. وفي مقابلة مع أحد المسؤولين الأمنيين البارزين قال أن قواته ليست لديها مشكلة في الالتزام بالقانون وأن وزارته تترك بدون تدخل العديد من الأخوة ممن لا يلجأون للعنف في بيروقراطية الدولة. وبشكل علني تصر الدولة على نشر مزاعم غير مثبتة بأن الإخوان المسلمين وراء العنف المميت في سيناء.
إن نقد الدولة اللاذع ليس بالأمر الجديد وخصوصا بعد إدراج الإخوان منظمة إرهابية في ديسمبر 2013. وفي الحقيقة، فإن هذا يبدو تكتيكا سياسيا لتبرير القمع، ولكن حشد الإعلام ورجال الدين لنبذ الهجمات يعد تحولا استراتيجيا الآن في معاملة جميع الإسلاميين على السواء. وقد دعم السيسي هذا الأمر أكثر من مرة. وعقب هجمات سيناء في 29 يناير قال السيسي: "أولئك الذين يساعدونكم .. نحن نعرفهم ونراهم ولن نتركهم،" في إشارة إلى الإخوان المسلمين. وقال أنه لن يقيد يد الشعب المصري في الانتقام لأرواح الشهداء. وقد كان كلام السيسي موجها للجيش والشرطة ولكن العديد من الإسلاميين قد فسر كلامه كرسالة لجميع المصريين وأنها دعوة لحرب أهلية.
ولكن المشهد الأكثر درامية في التصعيد هو أن النظام لم يظهر فقط عدم تسامح للمعارضين وتثمين للدولة (وقوات الأمن) وإنما يقوم أيضا بالزج بالمؤسسة الدينية في المشهد. فبعد سقوط مرسي في يوليو 2013 كانت هناك محاولة لوضع المنابر والمساجد تحت المراقبة – ومنع الأئمة المعتمدين من الخطابة يوم الجمعة وإخضاع الأئمة السلفيين للمراقبة. وقد هدفت تلك الجهود إلى استئصال السياسات المعارضة والسماح للمؤيدين فقط باعتلاء المنابر.
وقد بدى خطاب السيسي في جامعة الأزهر عند المجتمع الدولي كتعهد بالحداثة فهو لم يمثل أي شيء جديد من الناحية الأيديولوجية بالنسبة لقيادة الأزهر والتي كانت تحاول أن ترسل نفس الرسالة حول ضرورة مركزية تفسير الإسلام المسالم والمتلائم مع المجتمع الحديث بدون التخلي عن المبادئ الأساسية. ولكن بدى الأمر واضحا أن الرئيس ذو الخلفية العسكري يعطي محاضرة لأئمة الأزهر ويوجههم.
غير أن وزير الأوقاف المصري مختار جمعة بدى مؤيدا للنظام الجديد بدون أية مراجعة فلم يكتف بعدم الاعتراض على النظام فقط وإنما قام بإرسال توجيهات في خطب الجمعة التي تدعم النظام وقوات الأمن بل وتنظيم تظاهرات تدعمهم ضد الإرهاب. وفي مؤتمر عقد مؤخرا اتهم الوزير بشكل مباشر الإخوان والقوى الاستعمارية بإحاكة مخطط لتقسيم مصر. ومع ذلك تبدو معارضة النظام قوية بين طلاب الأزهر وفي الكثير من المناطق والمساجد.
وخلال عام ونصف منذ سقوط مرسي، لم تكن هناك ولو إشارة واحدة على أن خطاب النظام أو مؤيدي الإخوان سوف يهدأ. في الحقيقة يبدو أن كلا الطرفين يدفعان نحو المواجهة. وكلاهما ينكر مسؤوليته عن خطابه وأفعاله، بل ويقول أن ما يقوم به هو ردة فعل على ما يقوم به الطرف الآخر.
إن معركة الكلمات تغذي دائرة العنف والتي تدور في فلك رفض الجانبين التراجع، فكلاهما يرى أن مزيدا من الدماء يجب أن تراق لتحقيق العدالة.