تليجراف (لويزا لافلوك) – 12 يونيو 2015
تجلس إسراء الطويل البالغة من العمر 23 عاما على سريرها خاوية الفؤاد محاطة بصور أصدقائها بين معتقل وقتيل، قائلة "لقد دفعنا الكثير في هذه المعركة"، و "لا أدري إن كان الأمر يستحق".
المصورة إسراء الطويل كانت حاضرة في التظاهرات المنددة بالانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي من سدة الحكم بمصر، وأصيبت إسراء في يناير/كانون الماضي حينما ارتدت طلقة نارية أطلقتها الشرطة لتصيب عمودها الفقري وتجعلها غير قادرة على السير دون مساعدة من عصا المشي وتاركة إياها في فترة طويلة للتأمل، حيث قالت "لست مهتمة بالسياسة هذه الأيام، أقلعت عن مثل تلك الأمور"، لكن يبدو أن الخيار لم يكن بيدها هي، ففي 1 يونيو/حزيران انضمت إسراء إلى قائمة المعارضين المفقودين بالقاهرة.
بعد مضي عام على تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد خرجت مجموعات حقوق الإنسان تتهم حكومته بتصعيد حملته الأمنية ضد المعارضة تحت غطاء "الحرب على الإرهاب" وقامت "بإخفاء" الصحفيين والناشطين ومؤيدي الإخوان المسلمين.
فقد تم بالفعل تجريم التظاهرات وحظر الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، وحتى حركة 6 أبريل العلمانية التي يعزى إليها حراك ثورة 2011 قد تم إدراجها كمنظمة إرهابية.
وحسب أحد التقديرات فإسراء واحدة من 66 حالة تم اختفاؤها في شهرين فقط دون أن يعثر لأحدهم على أثر، غير أن المراقبون يرون أنه ربما كانت هناك حالات أكثر لم يتم التبليغ عنها، وقالت صديقة سارة محمد صديقة إسراء أن "العدد أكبر بكثير مما نعلم، نحن نسمع فقط عن الحالات التي لدى أهاليها اتصال بوسائل التواصل الاجتماعي، لكن ماذا عن الحالات التي لا يتوافر لديها هذا؟"، ووفقا لإحصائيات قامت بها مجموعة من المحامين المتطوعين (الحرية للجدع) فإن معظم حالات الاختفاء قد تمت في القاهرة، حيث قامت المجموعة بتوثيق عشرات الحالات من الاعتقالات التعسفية خلال تلك الفترة والتي تم منع المعتقلين منهم من التواصل مع عائلاتهم أو محاميهم، وقال العاملون بالمنظمات غير الحكومية أن بعد وصول عدد المعتقلين منذ الإطاحة بمرسي إلى عشرات الآلاف من المعتقلين فإن محاولة حصر عددهم قد صار أشبه بمحاولة عد حبات الرمال، حيث قال ناصر أمين عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان التابع للدولة خلال مقابلة تلفزيونية مؤخرا أن "الأعداد وصلت لدرجة مرعبة"، وقال إن المجلس قد أوصى حكومة السيسي ببناء سجون جديدة لمواكبة الطلب المتزايد.
يذكر أن بداخل سجون البلاد العفنة المتكدسة فقد أكثر من 100 شخص حياتهم، ويعتقد أن السبب الرئيسي هو المشاكل الصحية التي تفاقمت بسبب الحرمان من الرعاية الصحية، بينما تم ضرب بعضهم حتى الموت، وكانت إسراء ليلة اختفاؤها في طريقها لشراء طعام مكسيكي مع اثنان من أصدقائها صهيب محمد وعمر محمد، والاثنان من معارضي الانقلاب السابقين الذين قالو إنهم هجروا السياسة برمتها، وكانت مصادر من داخل قوات الأمن قد أكدت لعائلات صهيب وعمر أنهم قيد الاعتقال حاليا، ولا يزال مكان إسراء مجهولا حتى الآن ولم ترد وزارة الداخلية على طلب التلغراف أخذ تعليقها على الحادث
وصرح سعد محمد والد صهيب " لم نستطع الوصول لأي أخبار تحيط بأسباب اختفاؤهم، بحثنا في كل قسم شرطة بل قمنا بتقديم شكوى للنائب العام"، وفي تحول عجيب للأحداث يصدر النائب العام أمرا بالقبض على صهيب بالرغم من المزاعم القائلة بوجوده أصلا تحت حيازة الشرطة المصرية، وصهيب البالغ من العمر 22 عاما هو أحد الطلاب العديدين الذين يواجهون إعادة المحاكمة المثيرة للجدل مع صحفيي الجزيرة المعتقلين في ديسمبر/كانون 2013، وعندما لم يحضر صهيب المحاكمة الأسبوع الماضي قال القاضي أنه سيصدر أمر اعتقال بحقه إن لم يحضر الجلسة المقبلة.
ويقول المحامون أنه ما من مصير معلوم لأولئك الذين يتعرضون للإخفاء القسري على يد الدولة، فالبعض سينتهي به المطاف إلى غياهب المواقع التي يديرها الجيش مثل العزولي الموجود بالقرب من مدينة الإسماعيلية، بينما يطفو البعض الآخر على السطح أثناء حضورهم محاكماتهم بعد أسابيع أو شهور من اختفائهم، وقد أخبر عبد الرحمن جاد العامل الاجتماعي بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات بالقاهرة صحيفة التلغراف أن عددا من موكليه قد ظهروا مرة أخرى تبدو عليهم علامات التعذيب البشع.
وظهر السبت الماضي ثلاث رجال كانوا مختفين منذ أبريل/ نيسان الماضي حيث يواجهون الآن محاكمة عسكرية على خلفية تهم بالإرهاب، وأذيعت اعترافات الثلاثة على التلفاز الرسمي وهم إسلام جمعة (مصور صحافي) والطالبان أحمد صابر لبيب ومحمد عبد العزيز المرشدي، وظهر عليهم فقدان الاتزان وحول أعينهم آثار كدمات.
ونشرت هيومان رايتس ووتش في تقرير لها يوم الاثنين تتهم فيه السيسي بتزعم "انتهاكات سافرة" لحقوق الإنسان منذ توليه منصبه، ومنتقدا حكومته لتهربها من تحمل مسؤولية العديد من القتلى على يد قوات الأمن والاعتقالات الجماعية ومحاكمات المدنيين أمام القضاء العسكري ومئات الأحكام بالإعدام وتهجير آلاف العائلات بالقوة من شبه جزيرة سيناء، بينما صرح جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش قائلا "إن حكومة السيسي تتصرف بعقلية من يرى أنه لإعادة الاستقرار لمصر فلا بد من جرعة من القمع لم تشهد البلاد لها مثيلا، إلا أن هذا الدواء يقتل من يعالجه".