حاتم بازين: 25 مايو 2015
في ظل القضاء على جميع المعارضين وقتل المئات في حملات إعدام ممنهجة لا تمت للقانون بصلة، ينمو دكتاتور مصر الوحشي ليصبح فرعونًا جديدًا
يمثل حكم الإعدام الصادر في حق الرئيس السابق محمد مرسي – أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيًا في مصر- تحول البلاد إلى دولة عسكرية استبدادية وقمعية. فمنذ الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي في يوليو/ تموز 2013 تمكن المجلس العسكري تحت قيادته من قتل الآلاف وسجن غالبية أعضاء المعارضة، والحكم على أكثر من 1500 شخص بالإعدام، وشن حملة تطهير سياسية في جميع أنحاء البلاد. النظام القضائي – إذا استحق مجازًا هذا الاسم- قد تحول إلى أداة فعالة في تشكيل المشهد السياسي والقضاء على جميع أشكال المعارضة من خلال إصدار أحكام الإعدام بالمئات وسجن من بين 20 الفًا إلى 30 ألفًا في جميع أنحاء البلاد. تحت وطأة الإنقلاب، ينتهج القضاة نهج محاكم الكنغر (محكاكم قضائية تتجاهل تجاهلاً صارخًا القوانين المعترف بها) فلم يصدر القضاة الحكم بالإعدام في حق الرئيس مرسي ومؤيديه بل في حق مصر نفسها. نحن نشهد محاولة لدعم فرعون جديد في بلد اعتاد أهلها منذ قديم الأذل بناء تماثيل ومتاحف للفراعنة.
تضمنت التهم الموجهة للرئيس مرسي تهمة التجسس والتعاون مع حماس وحزب الله، والهرب من سجن خلال ثورة 2011، وتحريضه على قتل المتظاهرين في عام 2012. إذا كانت تلك الاتهامات الخطيرة حقيقة ويوجد دليل حقيقي عليها كان من المفترض أن يعقد المجلس العسكري محاكمة علنية وإذاعة هذا الحدث علنًا على مرأى ومسمع من العالم كله ولكن للأسف كان وراء أبواب مغلفة وسرية. سخرية هذه المحاكمات السرية المغلقة لأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر هي طوق النجاة للسيسي وقضاة المحاكم الهزلية. تأخذنا هذه المحاكمات إلى عصر محاكم التفتيش الأوربية في القرون الوسطى والأبراج المحصنة في الحقبة الشيوعية، والقادة العرب المستبدين الذين كان لهم الكلمة الأولى والأخيرة فهم قضاة ملاحقون للمعارضون وجلادين من أجل البقاء أعلى قمة الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفاسد.
بالرغم من الخطر التي ينذر به الحكم ضد الرئيس مرسي من المستحيل أن يكون له وجود دون دعم وتأييد السيسي من دول الخليج العربي والدول الاوربية، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقادة الكونغرس وإسرائيل ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) في واشنطن. إذا كان حكم الإعدام هذا في حيوان لتحركت العواصم "المتحضرة" ولكان رأي رجال ونساء الرأي العام مختلفًا ولتغيرت التغطية الإعلامية لهذا الحدث لتستمر الأربعة وعشرون ساعة ولكن للأسف هو إنسان. كانت عملية دعم وتأهيل السيسي ومجلسه العسكري مجرد عملية أولية أدارتها مؤسسات العلاقات العامة والمناصرون المتقاضون الذين عملوا على مدار ليلاً ونهارًا لتحويل "الرجل القوي" إلى حليف استراتيجي في حرب ضد الإرهاب.
المنطق ذاته الذي دعم مبارك لأكثر من 30 عام في عمله هو نفس المنطق الذي اتبعه مجلس العسكري للسيسي حتى يطلق العنان لآلة الحرب الداخلية لمهاجمة التهديد الإرهابي وكأنهم حراس الوطن وأبناءه المخلصون. تعمل قوات وزارة الداخلية والجيش بمهارة وحرفية ماكرة في تهيئة الظروف الأمنية اللازمة ليبدو الأمر وكأن الإرهابيين يختبئون وراء كل هرم وفقط الفرعون و"سحرته" هم القادرون على إنقاذ جميع المصريين من الأضرار المحتملة. بينما تدعم الفوضى في المنطقة جهود السيسي في ظل الحروب القائمة في كلٍ من العراق وسوريا واليمن وليبيا ممكنةً تجار الموت من الحث من جديد على تحقيق الاستقرار معتمدين على إظهار قوتهم. هذه هي الحجة الوحيدة وراء موقف صمت الجميع عن ما يحدث في مصر بينما مصر يحكم عليها بالموت حفاظًا على المصالح العالمية في المنطقة. في ظل خلع رئيس منتخب والانقلاب عليه عسكريًا، من الطبيعي أن يعاني الجميع سواء المعارضين أو المناصرين له من نفس المصير تحت يد قاضي الظلم المختار الذي حكم عليه بالإضافة إلى مئات من أنصاره بالإعدام. فهذا الحكم ما هو إلا سخرية من العدالة واستهزاءً بها.
أين المتشدقون باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أين هؤلاء المدافعون عن سيادة القانون؟ أين الجماعات المدافعة عن الحرية الدينية؟ فجميعهم صامتون ولم يُستدعى سفيرًا أجنبيًا واحدًا، ولم يلغى عقد واحد أو يؤجل تسليم واحدًا لصفقة معدات عسكرية. فعندما يتعلق الأمر بالمسلمين فتتلون الألسن بإدانة كل مشارك حتى وإن كان هو الضحية المجني عليها. في الواقع قد حققت كراهية الإسلام مبتغاها من خلال خلق كراهية انعكاسية تجاه أي موضوع يتعلق بالمسلمين الذي اسلبه المسلم حقه في كونه إنسانًا عاديًا يتمتع بحقوق الإنسان مثل الجميع واستعداده للدفاع عنها إذا لزم الأمر. على صعيد آخر، يختلف الأمر لأولئك الذين يريدون محاربة الإرهاب فما يفعله مجلس السيسي العسكري اليوم هو خلق جيل جديد من الإرهابيين وذلك فقط لتبرير وجوده وترسيخ بقاءه باعتبارهم الفراعنة الجدد على قمة هرم أجساد القتلى المصريين.