فورين افيرز: جماعة الإخوان تخضع لجراحة تجميلية, وتحول القيادات الشابة للمنهج الثوري

إيريك تريجر- مارينا شلبي 
19 مايو 2015 
 
يعد عمرو فراج أحد كوادر الإخوان الشابة البارزة، عمرو ذو الثمانية وعشرون عاما الذي يعيش في القاهرة وأحد كبار المروجين لأيدولوجيات الجماعة حيث يتبعه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي هو أيضا مدير بوابة رصد الإعلامية الشهيرة التي تؤيد مواقف الإخوان، لكنه لم يعد يباشر أعماله من القاهرة، ففي الخامس من يوليو/ تموز 2013 أي بعد يومين من قيام القوات المسلحة بعزل الرئيس محمد مرسي المؤيد من الإخوان كاستجابة منها للمظاهرات العريضة التي خرجت حينها، ألح قادة المؤسسة على فراج أن ينتقل إلى إسطنبول حتى يتفادى القمع الحاصل من الحكومة ضد الإخوان ويعيد تأسيس أعمال المؤسسة الإعلامية في المنفى، وقد قامت جماعة الإخوان بتركيا على إثر فرار العديد من أعضائها إلى تركيا خلال الأسابيع التي تلت الإطاحة بمرسي، بتشكيل لجنة بإسطنبول على أمل الحفاظ على تماسك الجماعة لحين عودتها لسابق قوتها بمصر وهو ما وعدت أتباعها بحدوثه في القريب العاجل.

 

لكن مع انقضاء الشهر تلو الشهر وازدياد القمع ضد الجماعة ضراوة حيث قتل ما لا يقل عن 2500 شخص واعتقل 16 ألف آخرون والحكم أخيرا على محمد مرسي بالإعدام، كل ذلك أدى إلى نفاد صبر أعضاء الجماعة من الشباب وسخطهم على وتيرة الإنجازات التي تحققها وانفصلوا عن "الشيوخ"، فما كان من عمرو فراج وآخرون من شباب الإخوان في المنفى إلا أن ثاروا على قيادات الجماعة الأكبر سنا، ملقين باللوم عليهم بسبب "فشلهم في التقدير" للأوضاع السياسية التي أدت إلى الإطاحة بمرسي بالإضافة إلى سوء تصرفهم في الفترة التي تلت عزله، بل وتعدى ذلك لرفضهم لدعوات تلك القيادات للصراع طويل الأمد والتحلي بالصبر في مواجهة الحكومة المصرية الموالية للجيش، فلجأوا عوضا عن ذلك إلى الترويج للنهج الثوري والعنيف أيضا لزعزعة الحكومة في وقت أقرب بدلا من الانتظار،
 

 

أضف إلى ذلك كون القيادات قد فقدت كذلك سيطرتها على أعضائها من الشباب داخل مصر حيث قام بعضهم بأعمال تمرد محدودة تهدف إلى تقويض الاقتصاد المصري وزعزعة النظام الحالي،  "هناك أشياء لا يمكننا الحديث عنها" كان هذا تعليق فراج خلال مقابلة في أكتوبر/ تشرين 2014 بإسطنبول حينما سأل عن أنشطة الإخوان داخل مصر،  وفسر قائلا "مثل الأعمال التي يقوم بها "المجهولون" الذين تتحدث عنهم وسائل الإعلام المصرية من قطع الطرق وتدمير أبراج الكهرباء"، وهذه أول مرة يقر فيها عضو من الجماعة على الملأ بأي صلة للإخوان بالهجمات على شبكة الكهرباء المصرية،
 

 
إلا أن تلك التصدعات داخل الجماعة ما لبثت أن توقفت في الشهور الأخيرة، فقد فاز صف الشباب الذي يمثله فراج في الانتخابات الداخلية التي أجرتها الجماعة في فبراير الماضي، ووفقا للقيادي أحمد عبد الرحمن فإن الجماعة قد استبدلت 65 من قادتها السابقين ويمثل الشباب 90% ممن خلفوهم، يذكر أن جماعة الإخوان المسلمون قد أسست ما أسمته "بمكتب المصريين في الخارج" بهدف تركيز أعمال الجماعة في المنفى والإعداد لمواجهة أكثر عدوانية ضد نظام السيسي الذي لم يزل يقمع الإخوان المسلمين، وقال أحمد عبد الرحمن "لن يكون هناك حلا سياسيا قبل أن تنفذ مطالب الثوار في الشوارع" معلقا على موقف الإخوان ومؤيديهم داخل مصر في لقاء مع الجزيرة، وأضاف قائلا "ستستمر ثورتنا حتى تحقيق النصر"، ويضع الإخوان مطالب رئيسية لا يمكن التنازل عنها: الإطاحة بحكومة السيسي، وجاء في بيان الجماعة عقب حكم الإعدام على مرسي أنه "لا بد من ثورة تقطع الرقاب عن الأجساد المتعفنة" وروجت "للتخلص من كل الظالمين"،

 

 
وموقف الإخوان الثوري الجديد يحمل في طياته رسالتين: أولهما أنه للمضي بثورتها ضد نظام السيسي قامت الجماعة بتبني منهج العنف علنا خاصة على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، وقام الحزب السياسي التابع للإخوان المسلمون بشمال سيناء بنشر صور على صفحته على الفيس بوك يستعرض فيها أعماله: حرق إطارات وقطع السكك الحديدية وإشعال النيران بمحولات الكهرباء، وتعهدت تلك المجموعات "بالاستمرار بإنهاك الانقلاب بكل الطرق"، وفي نفس الوقت نشرت صفحة الحزب- فرع جنوب القاهرة صورة لشاب يلقي زجاجة مولوتوف تحثهم على "الموت بين العبيد أو العيش كرجل بين الثوار"،  وقام عدة أفرع للإخوان في أنحاء مصر بنشر صور لشباب إسلاميين يحملون المولوتوف ويشعلون الطرق بالنيران وأقسام شرطة تندلع بها النيران، وقام رفيق حبيب الذي شغل منصب رئيس حزب الحرية والعدالة بنشر مقالة شارحا أن هدف هذه الأعمال هو "أدوات القمع" وليس "حياة" الأشخاص، وأوضح أن الجماعة قد دخلت مرحلة جديدة من الصراع وتنوي التصعيد لمستوى أكبر من العنف،

 

ومن المؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الجماعة إلى العنف، فخلال حكم مرسي قامت الجماعة مرار باستهداف وتعذيب معارضي نظام مرسي وقامت بتشكيل مجموعات مسلحة بالعصي ونشرتها في اعتصامها بشمال القاهرة في الأيام التي تلت الإطاحة بمرسي، وفي الأشهر التي تلت هذا لم تتوقف الجماعة عن مهاجمة عربات الشرطة والمراكز الأمنية وبيوت ضباط الشرطة، لكن الجماعة نفت أي علاقة لها بتلك الحوادث بصورة مستمرة، وادعت أنها لا تملك السيطرة على المجموعات الرافضة للانقلاب التي نفذت الهجمات، وتبرأت من بيان نشرته إحدى القنوات المؤيدة لها هددت فيها الأجانب داخل مصر صراحة، بل قامت بحذف بيان من على موقعها الرسمي نشر في يناير 2015 يدعو للجهاد والاستشهاد، إلا أن المدهش هو نجاح تلك الاستراتيجية ذات الوجهين رغم الأدلة التي تربطها بأحداث العنف: فقد قامت إدارة أوباما بالإثناء على التزام الجماعة-المعلن-بالسلمية وقامت على هذا الأساس باستكمال العلاقات الدبلوماسية معها،

 

وثاني هذه الرسائل من وراء تحول الإخوان للعنف هو أنها يمكن أن تنضم للحركات الثورية الأخرى ضد حكومة السيسي، فوفقا لتصريح محمد جابر القيادي الإخواني لشبكة "مكملين" الإعلامية المؤيدة لإخوان والمتمركزة في إسطنبول فإن الجماعة "تسعى لاستغلال جميع الخبرات داخل وخارج الجماعة لتحقيق أهداف هذه المرحلة"، وتسعى لتحقيق "تنسيق ثوري كامل" مع جميع القوى السياسية التي تهدف لإسقاط الحكم العسكري في مصر.

 

وعلى الرغم من سوء سمعة الجماعة كأكثرها تعصبا وتشكيكا بأي عناصر من خارجها، إلا أن دعوتها المفاجأة للتنسيق على مستوى واسع ضد نظام السيسي يعكس اضمحلال سطوتها داخل مصر، وهذا يعزى جزئيا لطبيعة القمع الحاصل من جانب حكومة السيسي على الجماعة، إلا أنه في نفس الوقت نتيجة لهبوط نسبة مؤيديها بعد فشلها في الحكم، ووفقا لتقديرات الجماعة نفسها فإن 70 بالمائة من الحراك ضد النظام يقوم به عناصر من خارج الإخوان ويبدو أن الإخوان يخشون من خفوت نجمهم حتى بين معارضو النظام الحالي،وهم في نفس الوقت يحاولون التواصل مع كوادرهم على الأرض الذين فقدوهم عندما سجن قادتهم ولجأوا للحراك المعارض غير التابع للإخوان، وتقوم صفحات التواصل الاجتماعي التابعة للإخوان بالترويج لتنظيمات مثل المقاومة الشعبية وطلاب ضد الانقلاب الذين يتراوح أعضائهم من الأناركيين اليساريين إلى الإسلاميين من غير الإخوان والذين يواجهون أجهزة الأمن من حين لآخر،

 

ويقوم مكتب المصريين بالخارج التابع للإخوان في نفس الوقت بالعمل لتقوية أواصر العلاقات مع قوى المعارضة الأخرى بالمنفى،وقام على إثرها قياديون بالإخوان بالحصول على مناصب رسمية داخل المجلس الثوري المصري وهو تحالف لعدة مجموعات ترفض الإطاحة بمرسي، فقد قام المجلس مؤخرا بانتخاب عضوين من خارج الإخوان: مها عزام العضوة السابقة ب تشاتام هاوس والقاضي السابق وليد الشرابي لمنصبي رئيسة المجلس ونائبها، ففي الأسابيع الأخيرة قام المجلس بإرسال وفد إلى آسيا حيث أوردت التقارير أنه خاطب مؤسسة دول جنوب شرق آسيا ودعاهم لمقاطعة مصر وحث ماليزيا على استغلال مقعدها بمجلس الأمن بالأمم المتحدة للضغط على القاهرة، وعليه فإن المجلس الثوري يوفر مظلة يمكن للإخوان تحتها استكمال أعمالهم لتكوين لوبي دولي لتقويض حكومة السيسي،

 

النهج الثوري والقيادة الشابة للإخوان قد يمكنهم من إعادة الكوادر الشابة إلى صفوف الجماعة والذين صاروا يؤمنون بشرعية استخدام العنف ضد الانقلاب ويؤمنون أن الإخوان يجب أن يعملوا جنبا إلى جنب مع المعارضة لتحقيق تلك الأهداف، إلا أن كل هذا لن يساعد الجماعة في هدفها الرئيسي ألا وهو العودة لسدة الحكم في مصر، فلا زال الكثير من المصريين يرون الجماعة كمنظمة إرهابية بسبب هجماتها العنيفة ضد المتظاهرين وتهديدها رموز إعلامية خلال فترة حكم مرسي، وسيؤدي تبني الجماعة للعنف علانية وتنسيقها مع حركات راديكالية أخرى إلى صرف الجماهير عنها أكثر وسيعزز من شعبية السيسي، وهذا يعني أن فراج ورفاقه من الشباب يصعدون قتالا من غير المرجح أن يفوزوا فيه.