ليبيا: من يخاف المفاوضات؟

مجلس العلاقات الخارجية
ستيفن كوك 

25 مارس 2015 

يوم الخميس الماضي كان من أهم أيام ليبيا. يمكن أن يكون هذا اليوم بداية لنهاية الحرب الأهلية الوحشية التي اندلعت في البلاد منذ شهور. يمكن أن يكون اليوم الذي تجتمع فيه الفصائل المختلفة على الرغم من الخلافات السياسية لتشكيل حكومة واحدة، حكومة تأخذ بيد ليبيا إلى الأمام. منذ الأسبوع الماضي، اجتمعت الحكومتان الليبيتان وحلفائهما في المغرب، فيما تأمل الأمم المتحدة أن يكون المرحلة الأخيرة من المفاوضات. إذا ما استطاعوا أن ينحوا الصراعات جانبا فمن الممكن أن ترى ليبيا النور في آخر هذا النفق المعتم. وبينما هذه المفواضات تبدو أكثر تفاؤلا من المحادثات السابقة في غدامس ومدريد فإن الأمم المتحدة لا تزال متفائلة حيث لا تزال تحاول الدفع قدما نحو حكومة وحدة وهو الأمر الذي لا يزال فاشلا. بدون ضغط حقيقي فإنهم لن يصلوا إلى حل وسط أو حل سيساسي. 

ويمكننا أن نرى مجلس النواب الذي تحول إلى الغرب في وسط هذه المفاوضات وقدم نفسه كحام للبلاد من الدولة الإسلامية. وإلى جانب الحلفاء الإقليميين مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإنه يدعوا المجتمع الدولي لرفع حظر تصدير السلاح إلى ليبيا وتزويد اللواء حفتر بالسلاح ودعمه في قتاله ضد المليشيات الإسلامية. إنهم يقدمون حفتر على أنه الرجل الذي يجب على الغرب التحول إليه إذا ما أرادت ألا تواجه الدولة الإسلامية في بلادها. وهذه محاولة لتضليل المجتمع الدولي. إذا ما حصل حفتر وحلفائه على الدعم الدولي فإنهم سوف يستغلون ذلك التفوق للتعلب على خصومهم السياسيين وبذلك تتعطل المصالحة في المفاوضات الجارية. 

ومنذ يونيو الماضي، حاربت الحكومتين من أجل السيطرة على ليبيا ومواردها النفطية ومن ثم فقدت كلا الحكومتين شرعيتها. فالمؤتمر الوطني العام الذي يسير عليه الإسلاميون والذي انتهت مدته فبراير الماضي قد مد حكمه من خلال سلطته ورفض أن يتنحى عن السلطة. أما مجلس النواب العلماني والفيدرالي فقد انتخب في يونيو 2014 بنسبة ضئيلة جدا من مجموع الناخبين، فقط 18%، وحتى أن الاقتراع لم يجري في كثير من المناطق في البلاد بسبب المخاوف الأمنية. ومع تدهور الخلاف السياسي إلى صراع مسلح، فإن الحكومتين تعاملا مع بعضهما عسكريا من خلال وسائل الوكلاء والحلفاء. 

وفي السعي وراء الاعتراف الدولي، ارتأى حفتر أن يخلط بين أعدائه وتهديد الدولة الإسلامية الجديد، ولأكون عادلا، فإن حكومة طرابلس لم تجعل من هذه المهمة أمرا صعبا. وبالاعتماد على الجماعات الإسلامية الغامضة فإن حكومة طرابلس جعلت نفسها عرضة لتصنيف حفتر غير العادل. وعلى الرغم من أن حكومة طرابلس لم توجد الشلكة المعقدة من المقاتلين الإسلاميين والموجودة الآن في بنيغازي – ولكنها لا تسيطر عليها بالفعل – فإنها قد زودت بعضا من مسلحي بنيغازي بالمال واستخدمتهم كحائط صد يمنع قوات حفتر عن معاقلهم في طرابلس ومصراتة وبذلك يبقوا على القتال في ليبيا في منطقة الشرق. وللوصول إلى هذه النقطة، قامت حكومة رئيس الوزراء عمر الحاسي بتقديم الدعم المالي المباشر لعدد من المليشيات الإسلامية في بنيغازي حيث تدفع لهم في أي مكان يوجدون به ما بين 1500 إلى 3000 دينار للمقاتل في الشهر الواحد. وهذه الجماعات المسلحة الموالية لحكومة طرابلس وعدد من الجماعات المسلحة الموجودة في بنيغازي إنما تقوم بتشكيل تحالف ضد حفتر. وعلى الرغم من كونها غامضة ولا يمكن اتباعها فإن هذه الجماعات ليست كغيرها ممن توالي الدولة الإسلامية منذ نوفمبر الماضي. 

وعلى الرغم من وجود حفنة من المفاوضات التي تدعمها الأمم المتحدة لتجميع هذه الفصائل المتناحرة، فإن تهديد الدولة الإسلامية يقدم قوة دفع جديدة للجانبين المتنافسين من أجل الوصول إلى اتفاق. كانت داعش في ليبيا منذ شهور ولكن مع التطورات الأخيرة من الهجوم على مجلس النواب في القبة والتي خلفت وراءها 42 قتيلا وكذلك الهجمات ضد حكومة طرابلس في مصراتة والسرت وطرابلس، فإن وجود هذه الجماعة قد شعرت به الحكومتين الآن أكثر من ذي قبل. وبمهاجمة حقول البترول في الغاني ومبروك وباهي، فإن داعش تقوم بضرر دائم للمنشئات النفطية الليبية وهو ما يقدم خيارا صعبا للحكومة الليبية: الوصول إلى حل وسط ومعرفة أنه لن يقوم أحد الكيانات المتنافسة بالسيطرة على نفط ليبيا الذي يدعي كلاهما أحقيته فيه، أو مواصلة الصراع والذي يمكن أن يصب في مصلحة داعش لتقوم بتدمير البلاد فلا يقوم أي من الطرفين بالسيطرة عليها. وبينما تقوم حكومة طرابلس ومجلس النواب بالتنافس للسيطرة على مستقبل ليبيا فإن داعش تبدو وكأنها تريد تدمير المستقبل وبذلك فإن الجانبين المتحاربين لديهما عدو مشترك ليوحدهما.

إذا لم تكن هجمات داعش الأخيرة كافية، فإن هناك تحولات أخرى قد جعلت حكومة طرابلس وحلفائها يأتون إلى طاولة المفاوضات. لا يمكن لحكومة طرابلس أن تعتمد أكثر من ذلك على الفوضى في الشرق والتي لا تزال تحميها حتى الآن. إن الوضع في بنيغازي قد تغير والمليشيات الإسلامية التي كانت قد سيطرت على المدينة بأكملها أكتوبر الماضي تسيطر الآن على منطقتين فقط وجزء صغير من المدينة بعدما تعرضت المدينة للقصف في فبراير.  وعلاوة على ذلك، فإن مكاسب حفتر الأخيرة قد أدت إلى هزة في صفوف مجلس شوى الثوار في بنيغازي. وبينما قامت أنصار الشرعية بموالاة داعش منذ مقتل قائدها السابق فإنه لا يبدو واضحا من تبقي من الجماعات المسلحة في التحالف. وبدفعة من الانجاحات العسكرية في الشرق، يتجهز حفتر للتحرك للقتال ناحية الغرب تجاه مصراتة وقد قامت بالفعل بشن هجوم من أجل تحرير طرابلس. وبينما كتائب مصراتة تعد قوة قوية للغاية في ليبيا فإنهم لا يردون هذا القتال بل يريدون الوصول إلى مائدة المفاوضات. إن غياب قادة مصراتة البارزين عن المحادثات الأخيرة قد أعطى حكومة طرابلس عذرا للتوقف عن التفاوض حتى تصير في وضع أفضل. 

ويضطر مجلس النواب للحضور إلى طاولة المفاوضات وذلك لحقيقة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد تجاهلا دعواته للدعم. وبدون المزيد من الدعم الدولي، فإن الحكومة المعترف بها دوليا قد ذهبت إلى المغرب وهي تركل وتصرخ. وبعد المرحلة الأخيرة من المفاوضات قام مجلس النواب الليبي بترقية حفتر ليكون القائد العام للجيش. ويعلم مجلس النواب جيدا أن هذا أمر بغيض لمصراتة وحكومة طرابلس ولكن لا يزال غير واضح ما غذا كانت هذه الحركة محاولة لعرقلة المحادثات أم للحصول على ميزة أكبر في المفاوضات. وفي الوقت الذي يرى نفسه فيه جزءا سياسيا ويحاول أن يتجنب أن يكون جزءا ليس له جدو، انتقد حفتر الجهود الرامية لتشكيل حكومة موحدة مع قادة الحركات المتطرفة، قائلا: "لا يمكن للأمم المتحدة وأوروبا أن يلزموا مجلس النواب على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإرهابيين. وسوف تستمر مقاومته للوصول إلى حل وسط فسلطته تقوم على هذا. 

قد يكون مغريا دعم حفتر وجيشه للرد على التهديد الإقليمي وخصوصا تهديد داعش في ليبيا والذي ظهر في ذبح 21 مصريا قبطيا وكذلك اختطاف 20 عاملا طبيا في السرت. بالفعل بدأت بعض الدول تشعر بالإغراء. فقد أعلنت الحكومة  الإيطالية استعدادها لإنزال 5000 جندي في شمال أفريقيا وتنظر كندا توسيع عملياتها العسكرية ضد داعش في ليبيا. والأكثر من ذلك، فقد خفضت الولايات المتحدة من دعمها لأي عمليات في ليبيا وبينما يرى البعض أن هذا بسبب فشل القيادة، فإن إدارة أوباما لا تزال عنيدة. إذا ما استمر حفتر في ضرب المليشيات الإسلامية الثورية فإنه بذلك يقوي داعش في ليبيا. وإذا ما مكن من قبل دعم أمريكي لمواصلة تحريك قواته على الأرض إلى غرب ليبيا فإن المعارك المترتبة على ذلك قد تقزم الصارع الحالي بشكل جيد.