ذا هيريتاج فونديشن: ستيفين بوكي
أنفقت الدول الأوروبية الكبرى أموالا طائلة لسنوات من أجل بناء قدراتهم العسكرية. وقد قاموا بتجميع أنفسهم في تكتلات من أجل لعب لعبة خطيرة لسياسات القوة. وبشكل بطيء كانوا يتجهون بكل تأكيد نحو الحرب. في يونيو 1914، تسبب اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية في إشعال فتيل حرب مأساوية. ويبدو الشرق الأوسط الآن في حالة مشابهة لأوروبا في أوائل القرن العشرين. ولسنوات تنافست كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسعودية، وتمثل إيران العالم الإسلامي الشيعي بينما البيت السعودي يمثل قيادة العالم السني.
ولدى إيران جيش كبير إلى جانب قدرات كبيرة في حرب التجسس غير التقليدية. تسيطر إيران على حزب الله في لبنان وعلى الأسد في سوريا وكذلك المليشيات الشيعية المسيطرة في العراق. وتقوم إيران بتشجيع – بل وتقديم المساعدة – للثوار الحوثيين في اليمن. وقد قام السعوديون، الأقوياء، بالتحالف مع السيسي في مصر والملك عبد الله في الأردن وأغلب دول الخليج العربي. كما تحالف أيضا مع باكستان والتي تمتلك واحدا من أكبر الجيوش في العالم وكذلك تمتلك سلاحا نوويا. إضافة إلى ذلك، هناك إمكانية واضحة بأن تأخذ تركيا الجانب السني. يعد هذا قدرا كبيرا من القوى العسكرية والتنافس والصراع المسلح الذي يرتكز في منطقة صغيرة نسبيا. ويمكن لهذا البارود أن ينفجر ليشعل حريقا كبيرا ذو عواقب مدمرة لم تشهدها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية.
ولكن ربما يقول البعض أن هذه الكتل المتعارضة كانت في مكانها منذ عقود، فلماذا تقلق الآن؟ بكل بساطة، لأن أمريكا لم تعد تلعب الدور الذي لعبته في المنطقة على مدار فترة طويلة. لعقود، كانت أمريكا هي الضامن للأمن والتي تطلق النيران الدبلوماسية لأصدقائنا في المنطقة. وليس على السعودويين والأردنيين والمصريين والأصدقاء الآخرين أن يقلقوا من إمكانية هيمنة إيران الإقليمية. كانوا يعرفون أن أمريكا القوية الحازمة ستبقي التطلعات الإيرانية محجمة. في الوقت نفسه، عرفت إيران ووكلائها أنهم لن يحرزوا تقدما قبل تهدئة القوة الأمريكية الحكيمة ووقفها. وقد كان التهديد الحقيقي للقوة الأمريكية كافيا لإبقاء أصدقائنا هادئين وأعداءنا غير نشطين.
ولكن الأمر قد تغير. رأى أعداؤنا أن الولايات المتحدة تقود من الخلف في ليبيا ومن ثم تدير ظهرها إلى قنصليتنا في بنيغازي. لقد رأونا نتعدى الخط الأحمر في سوريا ثم انصرفوا بعيدا عندما أعلن الأسد خدعتنا. وقد رأوا سوريا وهي تضم إليها شبه جزيرة القرم وتدعم الإنفصاليين في شرق أوكرانيا بينما ترفض أمريكا تقديم المساعدات العسكرية لكيف. وقد رأونا ونحن نحجم عن إنزال قوات برية أمريكية على الأرض لمحاربة داعش. ضعوا كل هذا جنبا إلى جنب، وستظهر الصورة أن أمريكا خجلة أو مرتبكة أو مترهلة – فنراها أمة تتحدث بشكل جيد في لعبة السلطة ولكنها تفتقر إلى الإرادة في تنفيذ ذلك.
والأكثر من ذلك أنهم يرون إدارة متعطشة للوصول إلى اتفاق مع إيران مع العلم أن القدرات التفاوضية لدى الإيرانيين كبيرة. وفي محادثات الدول الخمسة + 1 في لوزان قدم وزير الخارجية الأمريكي تنازلا تلو الآخر بدون أي مقابل من إيران – إلى حد أن فرنسا الآن تبدو الطرف صعب المراس لصالحنا على طاولة المفاوضات.
ليس أعداؤنا فقط هم اللذين لاحظوا هذه التطورات، وإنما لاحظها أصدقاؤونا أيضا. والذي يجب أن يفكر فيه السعوديون والآخرون عندما يرون الإدارة الأمريكية وهي تتخلى عن حليفها الأول في المنطقة إسرائيل؟ هؤلاء الأصدقاء الآن لديهم سبب للخوف من أن المفوضات النووية مع إيران سوف تزيد من الانسحاب الأمريكي من المنطقة أو – الأسوأ من ذلك – تقدم تقاربا إيرانيا أمريكيا على حسابهم. هذا هو الخوف الذي أدى بأصدقائنا إلى التجمع سويا للدفاع عن أنفسهم ضد ما يرونه تهديدا متزايدا: إيران. وبينما ترغب إدارة أوباما في غض الطرف عن هذا التهديد في صالح اتفاقها النووي، فإن جيران إيران لا يشعرون بالراحة.
ومنذ أن انقطعت الولايات المتحدة عن الاستغناء عن المضادات الحيوية المعتادة، ارتأى أصدقاؤنا في الشرق الأوسط أن عليهم أن يواجهوا – بقوة في الحال – تلك الإصابات المحلية التي تعززها إيران وتستغلها. وهم يقومون بذلك في بعض الوقت دون الرجوع إلى أمريكا. ونتيجة ذلك هو شرق أوسط أكثر سخونة وذو مستقبل غير متوقع أكثر من أي وقت سبق. الظروف الآن باتت مهيئة لحرب كبيرة في الشرق الأوسط – واحدة تؤثر على العالم أجمع، ونرى فيها ردود أفعال السنة والشيعة على حد سواء. ولكن لم تظهر شرارة الحرب بعد.
اليوم، تقوم السعودية بحشد 150 ألف جندي على الحدود مع اليمن. وقد وعدت باكستان ومصر بإنزال بري لقواتها في اليمن. وهذه الحكومات السنية ترى في مشاركتها دفاعا عن نفسها. ولكن هذا يمثل تهديدا كبيرا لرغبات إيران في النفوذ بل وتراه إيران تهديدا لنظامها الحاكم في طهران. لا أحد يريد الحرب سواء كانت كبيرة أو صغيرة. غير أن من بين الكتل القوية في الشرق الأوسط، فإن سياسات أمريكا غير الشرعية قد أشعلت عدم الثقة في جانب وهو ما ارتآه الجانب الآخر فرصة.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا دائما تشعل الصراع اللعين بين القوى العظمى. غير أن درس الحرب العالمية الأولى تمثل في أنه عندما تجبر الدول الإقليمية الكبرى – وخصوصا تلك الدول التي بينها نزاع طائفي – على القتال فإن أي حسبة خاطئة ولو كانت صغيرة للغاية تكون كارثية. هذا الموقف قائم الآن في الشرق الأوسط. والإدارة الأمريكية بعيدة كل البعد عن تخفيف حدة التوتر وذلك من خلال زعزعتها لأمن المنطقة من خلال الاتفاق النووي مع إيران.