ميدل إيست آي: بوادر التوتر تظهر في العلاقات السعودية المصرية

 

ميدل إيست آي: مأمون العباسي


 

ظهرت بوادر التوتر بين السعودية مصر حول السياسات في الشرق الأوسط مؤخرا بشكل واضح يوم الأحد الماضي خلال القمة العربية في شرم الشيخ بمصر. وخلال القمة، طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يقرأ خطاب مكتوب من قبل الرئيس الروسي بوتين وهو الأمر الذي أشعل غضب وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل والذي انتقد محتوى الخطاب بشدة.  وفي الخطاب انتقد بوتين الضربات الجوية التي تقودها اليمن مطالبا بحل لكل المشكلات التي يواجهها العالم العربي بالطرق السلمية وبدون أي تدخل خارجي. 

 

وفي رده اتهم الفيصل بوتين بالنفاق وقال إنه يتحدث عن حل المشكلات في الشرق الأوسط على الرغم من أن روسيا ليس لها علاقة بها مضيفا أن سياسات موسكو تعد من الأسباب الرئيسية وراء ما يحدث للشعب السوري.  وعلى النقيض من اجتماع الجامعة العربية السابق فإنه لم يمثل المعارضة السورية أي أحد وهو ما فسره البعض بأنه خطوة مصرية أخرى لتوطيد العلاقات المصرية الروسية حيث أن روسيا تدعم النظام السوري ورئيسه بشار الأسد. 

 

الحروب الإعلامية
إن التصريحات الرسمية السعودية والمصرية لم تنعكس على إحداث أي شقاق بين البلدين فالرياض لا تزال تواصل دعمها المالي للقاهرة منذ 3 يوليو 2013 منذ أن تم إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي.  ومع ذلك قام إعلاميون بارزون في الفترة الأخيرة بالبدء في حملة إعلامية تشير إلى الخلافات السياسية التي لم يتم الاعتراف بها على المستوى الرسمي.  وقامت عدد من القنوات الفضائية بانتقاد السعودية وسياساتها في ظل حكم الملك سلمان والذي أتى إلى السلطة في يناير في أعقاب موت الملك عبد الله الذي كان داعما قويا للقاهرة.  وقد كانت الانتقادات التي جاءت في الإعلام المصري منصبة حول عدم الرضا من التقارب السعودي التركي وذلك عقب الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمملكة والذي يدعم مرسي بكل ما أوتي من قوة.  وقد حملت الزيارة رسالة مفادها أن هناك تغيرا في السياسة الخارجية السعودية. 

 

تحول في السياسة الخارجية السعودية
وقال الكاتب السعودي جمال خاشوجي، "تحولت السعودية عن موقفها من الشعور بالقلق من الإخوان المسلمين وعلى باقي الدول الخليجية أن تحذو هذا الحذو."  واعترف خاشوجي أن هناك تحولا في أولويات السياسة الخارجية السعودية فقد باتت الآن تركز بشكل أكبر على التهديدات المتنامية (الدولة الإسلامية وإيران).  وفي الوقت نفسه طالب المذيعون المصريون بعلاقات مصرية أفضل مع إيران وسوريا اللتان تدعمهما روسيا. وبالفعل فإن موسكوا تقوي علاقاتها بالسيسي. كان مذيعون مثل إبراهيم عيسى ويوسف الحسيني حادين في نقدهما للسعودية في ظل حكم الملك سلمان وخصوصا حول سياسته الأخيرة في اليمن وهو ما استجلب النقد من خاشوجي والذي اتهم الإعلام المصري بأنه إنما ينطق بما يريده النظام.  وردا على ذلك، نصح الحسيني ساخرا الكاتب السعودي بأن يتعلم من الإعلام الإماراتي كيف يقوم بالتعليق على الشؤون المصرية. 
 

 

خلافات حول سوريا
وبينما يقول بعض المراقبون أن ما يقوله المذيعين إنما هو انعكاس لرؤية الرئيس المصري كما أوضحت لنا التسريبات من قبل فإن هناك محللين آخرين يقولون أن مثل هذه المواقف تمثل فكر اليسار المصري.  وقال محمد محسن أبو النور، محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإيرانية، "إن الإعلام المصري غني باستضافة العديد من الرؤى والتوجهات، وأن اليسار المصري معارض في الأساس للسعودية."  ومع ذلك قال أبو النور أنه بالرغم من أن القاهرة لا تزال تتمتع بدعم قوي من الرياض والذي ثبت بحضور الملك سلمان للقمة العربية في شرم الشيخ فإن تبني مصر موقفا محايدا من الصراع في سوريا إنما يسبب خلافات مع الشركاء الخليجيين. قام الملك سلمان ببعض التعديلات على السياسة الخارجية للسعودية ومنها استعادة التوازن في المدار السني من أجل مواجهة المدار الشيعي التي تقودها إيران. 
 

 

علاقات القاهرة وموسكو: إحياء الناصرية؟ 
إن العلاقات الآخذة في التحسن بين مصر وروسيا إنما تعزي إلى عدة عوامل ولكن المحللين يحذرون من آثار العلاقات الثنائية بين القاهرة وموسكو.  وقال بيتر أوبورن، معلق سياسي سابق، "يود السيسي أن يقدم نفسه على أنه عبد الناصر الجديد، وعبد الناصر كان جيشه مثقلا بالأسلحة الروسية
يريد الرئيس المصري أن يظهر مستقلا عن الغرب ولكن كلا من واشنطن وموسكو تدعمان السيسي وما يزعمه من حرب على الإرهاب وخصوصا في سيناء.  وقال كال أبراهام المحلل المقيم في لندن، "إن الدراسة العسكرية للسيسي شكلها الأمريكيون وليس الروس. إن الهدف الوكين من لجوئه إلى روسيا ما هو إلا لإثارة غيرة واشنطن ومن أجل ضمان وتأمين الدعم الأمريكي."  إذا كان هذا التحليل دقيقا فإن سياسة السيسي لاستيعاب موسكو غلى جانب السعي وراء تنويع مصادر السلام من خلال شراء السلاح من فرنسا وألمانيا يبدو وكأنها تعمل. 

 

أمريكا ترفع الحظر عن طائرات إف 16 لمصر
في يوم الثلاثاء، أعلن البيت الأبيض أن تجميد الولايات المتحدة لإرسال عشرات طائرات إف 16 لمصر، والذي كان قد فرض عليها منذ سقوط مرسي وما تلاه من قيام الحكومة المصرية بقمع المتظاهرين، قد تم رفعه.  إن صناعة السلاح المصري تعتمد بشكل رئيس على الولايات المتحدة وذلك بسبب الحاجة إلى قطع الغيار من أجل معداتها وأسلحتها.  وقد جاء بيان الولايات المتحدة بعد أن قامت منظمة العفو الدولية بنشر تقرير حول العقوبة في 2014 حيث أن مصر جاءت في المركز الثاني بعد نيجريا في أحكام الإعدام ومع ذلك لم تقم مصر بإعدام سوى حالة واحدة. 

وقد جاء هذا البيان أيضا بعد تقرير صدر مؤخرا من قبل المفوضية الأوروبية تنتقد فيه سجل القاهرة لحقوق الإنسان والحريات الشخصية ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة ترى في مصر شريكا أساسيا في السياسة الخارجية. وقال تقرير آخر أن مصر قد قامت بتقدم محدود وخصوصا فيما يخص الديمقراطية العميقة والمستدامة وقد أنتقد التقرير القيود المصرية على المجتمع المدني والتظاهرات السلمية واستخدام مصر المتواصل لأحكام الإعدام. ويقول بعض المراقبون أن من بين الأسباب التي تجعل بعض الدول تتغاضى عن الانتهاكات المصرية لحقوق الإنسان هو التهديد الإرهابي الذي لا ينفك المسؤولون المصريون يقولون أنهم يحاربونه. ويبدو أن المصريون قد أمنوا ظهر الخليج حول المخاوف الأخيرة من سيطرة الإخوان وعودتهم في مصر. 

 

رياح التغيير في اليمن
ومع ذلك ومع تضاءل مخاوف المملكة العربية السعودية من الإخوان، وحتى في مواجهة الدولة الإسلامية وأذرع إيران الممتدة في المنطقة فإن القاهرة تبدو داعمة للسعودية في عملياتها العسكرية التي تقوم بها في اليمن.  وقد سجل التحرك الصري تغييرا في السياسة تجاه اليمن وسط تقارير حول اتصالات سرية بين القاعرة وممثلي الحوثيين الذين تدعمهم إيران من أجل وقف نفوذ الإخوان المسلمين في اليمن على يد حزب الإصلاح.  وفي المقابل، فإن السعودية قد تراجعت عن سياستها السابقة التي كانت أيام الملك عبد الله من مواجهة نفوذ حزب الإصلاح وبدأت التواصل مع الحزب اليمني. 
ويأتي التقارب السعودي مع حزب الإصلاح قبيل زيارة متوقعة من قبل حماس إلى الرياض وهو الأمر الذي لا يرضي القاهرة. 

 

قوة عربية مشتركة وسط الخلافات الواسعة
وهناك أمر آخ من الممكن ألا يتفق فيه المصريون والسعوديون وهو متعلق بالاقتراح المقدم مؤخرا من السيسي للجامعة العربية حول إنشاء قوة عربية مشتركة على الرغم من الترحيب الحالي من الرياض.  وقال فريدريك ويري من معهد كارنيجي، "إن تسكيل قوة عربية عسكرية مشتركة لا يزال في طور التطلعات وليس الواقع، فهناك انعدا ثقة سياسية بين الدول الآن."