ابريل 2014
محتوى الورقة
ملخص
أولاً:- ركائز السياسة الخارجية القطرية ثانياً: أهداف السياسة الخارجية القطرية
ثالثا: تساؤلات حول الدور القطرى رابعاً: العلاقات القطرية الخليجية
خامساً:الخليج وأوراق الضغط الاقتصادية على قطر
سادساً: الخيارات المتاحة أمام قطر
ملخص قررت دول السعودية والإمارات والبحرين في الخامس من مارس سحب سفرائهم من قطر تحت ذريعة أن الدوحة قد انتهكت أحد بنود ميثاق مجلس التعاون الخليجي الذي يحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المجلس؛ وهو القرار الذي يمثل ذروة الخلاف داخل مجلس التعاون، ويفتح الباب للتساؤل حول مستقبله. بدأت الخلافات بين قطر والسعودية مع العام 1995، إلا أن الدولتين استطاعتا التعامل معها بهدوء نسبي من باب الحرص على مجلس التعاون الخليجى. جاء الربيع العربى وبدا موقف قطر الداعم لتلك الثورات كتغريد خارج سرب دول الخليج، لذا يعد قرار سحب السفراء خطوة تستهدف محاصرة قطر؛ ولكن مامدى جدوى هذا القرار ومدى تأثيره على السياسة القطرية، وماهى الخيارات المتاحة أمام قطر للتعامل مع هذا القرار؟ تسعى هذه الورقة للإجابة عن هذه الأسئلة، بعد أن تستعرض أهم ركائز وأدوات السياسة الخارجية القطرية خلال الفترة الماضية.
أولاً: ركائز السياسة الخارجية القطرية تنطلق الدبلوماسية القطرية من جملة ثوابت، أهمها الالتزام بحقوق السيادة والدولة، وعندم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتجنب سياسة المحاور. كما تتبنى قطر فلسفة الدبلوماسية الواقعية مع تقبل تبعات الإسهام في تحقيق السلام ورفض الاحتكام إلى القوة في فض المنازعات، مع الالتزام بقواعد الشرعية الدولية، ومواكبة المستجدات والتطورات العالمية أو التكيف معها .
تنتهج قطر ما يمكن تسميته بـ "سياسة اقتصادية" تعتمد فيها على مواردها الهائلة من الغاز؛ وهو ما مكنّها من الموازنة بين اعتمادها على الولايات المتحدة في تأمين عمقها الاستراتيجي، وفي نفس التمتع بحرية الحركة وتنويع خياراتها الإقليمية من خلال ارتباطها بمجموعة من الدول المهمة – من بينها أربعة دول دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية،
صدّرت قطر أكثر من 200 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المُسال إلى بلجيكا، الصين، فرنسا، الهند، إيطاليا، اليابان، كوريا، إسبانيا، تايوان، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عام 2011. لاشك إذاً في أن العلاقة مع هذه البلدان في مجال الطاقة تعود بالفائدة على قطر. وتبنى قطر سياستها الخارجية على عدد من الركائز أهمها: أ- الأمن والارتباط بالقواعد الأمريكية: أثبت الغزو العراقي للكويت في العام 1990 ضعف وهشاشة دول الخليج الصغيرة، وأقنع قطر بأن الولايات المتحدة هي وحدها القادرة والمستعدة لتوفير الأمن النهائي.
وبالتالي ابتعدت قطر عن الاعتماد التقليدي على المملكة العربية السعودية - التي أثبتت عدم جدواها للكويت في العام 1990 – وأقامت علاقات عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة. وبوصفه وزيراً سابقاً للدفاع، كان الشيخ حمد يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال. أدّت العلاقة إلى إنشاء قاعدتين أميركيتين كبيرتين في قطر: الأولى هي قاعدة العديد الجوية، والتي تؤوي القيادة المركزية الأميركية التي قادت حربي ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 في أفغانستان والعراق، والأخرى معسكر السيلية الذي يستضيف أكبر قاعدة أميركية للتخزين المسبق للأسلحة خارج الولايات المتحدة. كما أنه إن ثمّة إمكانية لأن تنظر الولايات المتحدة في نقل أسطولها الخامس من البحرين المضطربة إلى قطر الأكثر استقراراً.
وبوجود هذه القواعد، تمكنت قطر من ضمان أمنها، وهو ما منحها الثقة لبناء سياسة خارجية مستقلة ودينامية. ب- الاقتصاد: يتمثل الأساس الهام الآخر للنفوذ القطري في الشرق الأوسط، في نجاحها في توظيف مواردها المالية. كان العام 1991 هو نقطة الانطلاق مع بدء المرحلة الأولى من التنقيب في حقل غاز الشمال، أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، والذي يقع في الخليج العربى في المياه الإقليمية لقطر وإيران. قاومت المملكة العربية السعودية المجاورة المحاولات الأولية لتصدير الغاز عبر خط أنابيب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان والكويت، وربما كان هذا نعمة مقنّعة لأنه حثّ قطر على الاستثمار في منشآت الغاز الطبيعي المسال وتأمين الأسواق العالمية لصادراتها من الغاز، وهو ما مكّن، بالتالي، صادراتها من الغاز من التحرّر من القيود الإقليمية.
وقد وفرت الاتفاقات طويلة الأجل لتوريد الغاز إلى اليابان ودول آسيوية أخرى والارتفاع المطّرد في أسعار النفط والغاز عائدات ضخمة للدولة القطرية، ومكّنت الدوحة من تمويل سياسة خارجية قوية ومستقلة. ت- قناة الجزيرة كان إطلاق قناة الجزيرة الفضائية من بين مشاريع قطر الأكثر تأثيراً في العام 1996. تعاقدت قناة الجزيرة مع العديد من الصحافيين الذين تدربوا في بي بي سي، ومنح مجلس إدارة القناة هامشاً واسعاً جداً من الحرية التحريرية، أثبتت أنها مفيدة بشكل ملحوظ؛ حيث كانت قادرة على بث برامج تحظى بشعبية كبيرة حول السياسة العربية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المثيرة للجدل، واستقطبت هذه البرامج جمهوراً عربياً واسعاً، ومنحت القناة صدقيّة راسخة في الشارع العربي. تسبّبت القناة الإخبارية في حدوث مشاكل دبلوماسية كثيرة للدوحة.
فقد ضغطت الولايات المتحدة مراراً على قطر بسبب مواقف الجزيرة المناهضة لها خاصة أثناء الغزو الأميركي للعراق؛ بينما سحبت المملكة العربية السعودية سفيرها لدى قطر في العام 2002 بعد التغطية الصحافية الناقدة للشؤون المحلية السعودية. أثبتت الجزيرة استقلال دولة قطر في عيون العرب ومنحت قطر صدقيّة متزايدة والمزيد من المؤيدين فى مقابل المعارضين. ث- الاستثمارات والمساعدات الخارجية: قامت قطر بإيجاد فرص استثمارية كبيرة في مجالات عدة ولدعم هنا التوجه: أنشأت مركز قطر المالي عام 2006 لدعم الأنشطة الاستثمارية. كما اتسعت رقعة المساعدات القطرية لتشمل مناطق جغرافية متباعدة حول العالم، حيث قدمت المساعدات الطارئة في العديد من الكوارث الكبرى مثل فيضنانات باكستان، وزلزال هايتي واليابان وجفاف القرن الإفريقي، بالإضافة إلى الأزمات الإنسانية مثل فلسطين ودارفور.
وقد بلغت المساعدات والمعونات الإنسانية والتنموية المقدمة من دولة قطر حكومية وغير حكومية في العامين 2012-2013 ما يزيد عن ثلاثة مليارات ريالا قطريا تم تقديمها إلى مائة دول من كافة قارات العالم ثانياً: أهداف السياسة الخارجية القطرية يقصد بأهداف السياسة الخارجية القطرية أنها الأوضاع التي تود أن تحققها قطر في البيئة الخارجية وذلك بالتأثير بالنسق الدولي أو في الوحدات الدولية الأخرى. وبصفة عامة تنصرف أهداف السياسة الخارجية القطرية إلى عدد من الأهداف أهمها: أ- الحفاظ على قطر من المهددات الأمنية: مع عدم وجود تناسب في المساحة والسكان بين قطر وجارتيها القويتين السعودية وايران كان من أهم أهداف السياسة الخارجية القطرية أن تمتلك مقومات رادعة تجاه أي تهديد خارجي؛ بالإضافة إلى ذلك فإن أجزاء كبيرة من حقول الغاز الطبيعي القطرية تمتد خلال الحدود البحرية مع إيران مما أقنع قطر بأن تتبنى توجها غير صدامي مع إيران حتى في أوقات التوتر بين إيران وجيرانه أو بين إيران والولايات المتحدة. ب- تحقيق المكانة الإقليمية والدولية: تعتبر رغبة قطر في تحقيق المكانة الإقليمية والدولية هدفاً أساسياً من أهداف السياسة الخارجية القطرية؛ ويربط البعض سعي قطر نحو تحقيق المكانة الدولية وطموحات أمير قطر بعدد من الاحتمالات التي تستحق التأمل مثل مواجهة عداوة النظام المصري السابق والنظام السعودي والخروج من مدار السيطرة الإقليمية السعودية.
بالإضافة إلى الاعتقاد - مع وجود الجرأة السياسية القطرية النابعة جزئيا من الموارد النفطية الهائلة ومن الحماية الأمريكية - بأن قطر قادرة على شغل فراغ الزعامة الإقليمية. ويرى البعض أن سياسة قطر الخارجية تهدف إلى وضع قطر في قلب أحداث المنطقة، وأن تدعم مركزها في الإقليم عبر قيامها بدور الوسيط اقليمياً ودولياً؛ وهذا بدوره يفسر حرص قطر علي الحفاظ علي علاقات مع مختلف الأطراف السياسية في المنطقة سواء دول أو حركات. ثالثا: تساؤلات حول الدور القطرى يٌثار الكثير من التساؤلات حول السياسة القطرية ومدى استقلاليتها ومن هذه التساؤلات "التبعية الامريكية وموقفها من دعم جماعة الاخوان المسلمين" وسنتناول هنا علامات الاستفهام هذه بمزيد من التوضيح لإجلاء الغموض بشأنها.
أ- العلاقة مع الولايات المتحدة يهاجم البعض دائماً قطر بأن مواقفها تابعة للإدارة الأمريكية وتنفذ مخططاتها في المنطقة؛ خاصة مع إستضافة قطر القاعدة العسكرية الأميركية الأكبر وسياسة الباب المفتوح التي تعتمدها البلاد مع إسرائيل. والمفارقة أن كثيراً من هذه الاتهامات ترددها أنظمة حليفة للولايات المتحدة. لكن نظرة أقرب إلى السياسة القطرية والسياسة الأميركية في المنطقة، تكشف اختلافات وتقاربات معينة بين الاثنتين. فالعلاقات الدافئة بين الدوحة وحماس (وحزب الله قبل ذلك)، كانت دائماً مصدر توتر مع واشنطن. وتعرضت زيارة الأمير القطري السابق إلى غزة، إلى انتقادات شديدة من تل أبيب، وتجاهلٍ ذي معنى من واشنطن.
وبلغ التوتر ذروته أحياناً، خصوصاً بسبب التغطية الناقدة لـ"الجزيرة" لـ"الحرب على الإرهاب" في أفغانستان أولاً ثم في العراق في 2003. واتهم مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى آنذاك، بمن فيهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، "الجزيرة" بأنها لسان حال "القاعدة" وزعيمها أسامة بن لادن. واستمرت الاختلافات بين الموقفين الأميركي والقطري حول المسائل الإقليمية. ففي الأسبوعين الأولين للاحتجاجات التونسية والمصرية، حشدت الدوحة ترسانتها الإعلامية وراء الثوار، فيما كانت واشنطن أكثر حذراً على أمل الحفاظ على الوضع القائم وتطبيق إصلاحات جدية. وكان التقارب القوي، الوحيد ربما، بين المقاربتين حول الحالة الليبية التي نالت اتفاقاً عالمياً، ما جعل الموقف القطري – الأميركي المشترك غير مفاجئ .
يقول جيرمي شابيرو المستشار السابق لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون"، إن الإدارة الأمريكية وجهت تحذيرا قويا إلى حكومة دولة قطر، تؤكد فيه أنه بالرغم من وجود قاعدة أمريكية هي الأكبر على أرضها في المنطقة، إلا أنها تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة بدعمها لحركة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا. وأضاف "جيرمي" في مقال له بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه نقل رسالة الولايات المتحدة بنفسه إلى قطر، مشيرًا إلى أن قطر تعتبر ليست عدوة للولايات المتحدة وليست صديقة في الوقت نفسه، ولكنها تستخدم ثروتها المالية الهائلة لعرقلة بعض المشاريع السياسية الأمريكية خاصة في ليبيا وسوريا والعراق بدعمها للمتطرفين الإسلاميين على حد وصفه.
وتابع أن إدارة قطر الجديدة المتمثلة في الأمير تميم بن حمد آل ثاني كان من الممكن أن تغير هذه السياسة القطرية، ولكنه خيب الآمال عندما قرر المضي قدما في تبني سياسات والده نفسها، لافتًا إلى أن الشيخ تميم كان مهندس سياسة بلاده في دعم الجماعات الإسلامية في قطر وسوريا في العامين الماضيين. ودعا بلاده إلى إلى الضغط على قطر من خلال الاستفادة من الصراع السعودي القطري، حيث تشجيع السعوديين على استضافة القطريين المنشقين عن النظام القطري وتوفير منبر لهم للتعبير عن مواقفهم هذه من خلال قناة “العربية”. وأن توجه الجامعات الأمريكية والمعاهد السياسية دعوات لأفراد الأسرة الحاكمة المعارضين لإلقاء محاضرات لإظهار حالة الانقسام داخل الأسرة الحاكمة.
بالإضافة إلى فضح المعاملات اللاإنسانية للعمال الأجانب داخل قطر وبما يؤدي إلى تشويه صورة قطر في العالم في الوقت الذي تستعد فيه لاستضافة تصفيات كأس العالم عام 2022. ب- هل قطر تدعم الاخوان قطر تريد أولاً وقبل كل شيء، دعم الرابحين ولا يحتاج المرء، على سبيل المثال، لفهم عميق للمنطقة ولا إلى كرة سحرية لفهم بأن الإخوان المسلمين، كمعارضين للجماعات الليبرالية أو العلمانية، كانوا دائماً ذوي شعبية بالغة. إنّ الإخوان تيار سياسي دعمته السعودية ضدّ عبد الناصر تحديدًا، واستضافت رموزه على امتداد عقود طويلة، وأيّ محلل سياسي رصين - بغضّ النظر عن موقفه من هذا التيار - يعرف أنه تطور منذ تلك الفترة، وذلك حتى من منظور إحداثية التمييز بين المعتدل والمتطرّف؛ إذ خاض انتخاباتٍ برلمانيةً في عدَّة دول، وأصبح يُعَدُّ قوةً سياسيةً شرعيةً في إطار أيّ نظام تعدُّدي، ولكنّ موقف السعودية والإمارات أصبح معاديًا للإخوان، على نحوٍ خاصٍّ، حين أصبح هذا التيار أكثر براغماتيةً. وإذا كانت توجد أدلَّة كثيرة على دعْم السعودية للإخوان ضدّ نظام عبد الناصر في الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن الماضي، فإنّه - حتى الآن - لم يقدِّم أحدٌ أيَّ دليلٍ على دعْم قطر للإخوان. أمَّا الخلط بين دعْم قطر حكومةً منتخبةً اعترف بها العالم كلُّه، وبين دعْم الإخوان فهو أمرٌ مغلوط؛ لأنّ دعْم الديمقراطية والشرعية لا يُمكن أن يكون تُهمةً.
رابعاً: العلاقات القطرية الخليجية في ظل الربيع العربي على الرغم من أن مجلس التعاون هو نظام فضفاض بعيد عن التكامل الكامل، كان المقصود منه جمع البلدان الخليجية العربية القلقة لمواجهة التهديدات المتزايدة من الطموحات الإقليمية الإيرانية والعراقية. وفي هذا السياق، كانت قطر جزءاً من المحور السعودي حتى 1995، حين خلع أميرها الحالي، حمد بن خليفة آل ثاني، والده في انقلاب ملكي أبيض. ومنذئذ، خرجت قطر من الاصطفاف مع شقيقاتها الأكبر، خصوصاً السعودية، وبدأت تضع سياستها الخارجية المستقلة الخاصة بها. في ديسمبر1996 اختارت القمة الخليجية، التي عقدت في مسقط، الشيخ جميل الحجيلان اميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي مقابل مرشح قطر في ذلك الحين عبد الرحمن العطية - الأمين العام السابق - فاحتج أمير قطر حمد بن خليفة على ذلك وقاطع الجلسة الختامية لقمة مسقط الخليجية في ذلك الوقت، ومما زاد في الأزمة المحاولة الانقلابية الفاشلة على الأمير حمد بن خليفة آل ثان التي رتبها والده الأمير السابق الشيخ خليفة سعيا للعودة للحكم بعد انقلاب ابنه عليه العام 1995 فرغم أن الأمير الوالد - الحاكم السابق - رتب المحاولة وهو موجود في أبوظبي واستعان بقطريين من أتباعه كانوا موجودين في أبوظبي وآخرين داخل قطر، إلا أن الدوحة اعتبرت ان لبعض الأطراف السعودية يداً في هذه المحاولة، ومن هنا بدأت الأزمة الحقيقية التي شهدت الكثير من الإشكاليات واستخدمت قطر وسائل الإعلام ودعمتها ماليا مناوئين للسعودية. في العام 2002 تطرق برنامج تلفزيوني بثته قناة الجزيرة العام 2002 والذي استضافت فيه القناة اشخاصاً تعرضوا لمؤسس المملكة الراحل الملك عبد العزيز وأدىّ هذا البرنامج لسحب السعودية سفيرها صالح الطعيمي من الدوحة دون إعلان.
وتابع أمير قطر عمله لإعادة العلاقات الطبيعية مع السعودية والتقرب إليها حين قام بزيارته للسعودية، وقيل في حينها ان السبب وراء ذلك هو رغبة قطر في عدم مقاطعة العاهل السعودي الملك عبد الله للقمة الخليجية التي استضافتها الدوحة . قفزت الخلافات مرة أخرى إلى الواجهة مع الربيع العربي الذي عدَّته السعودية، منذ البداية، مُوجَّهةً ضدَّها؛ فقادت محور الثورات المضادة، وظلَّت تقوم - بمعيَّة دولة الإمارات - بفعل ما بوسعها لإحباطها؛ من ذلك أنَّها استضافت أوَّل رئيس عربي مخلوع، وهو زين العابدين بن علي، وعرضت استضافة حسني مبارك بعد أن فشلت في منع إطاحته. ولم يَفُتَّ في عضُد السعودية نجاح الثورات العربية في إطاحة أنظمة فاسدة، بل تواصلت محاولتها في تقويض الديمقراطيات الوليدة وحرْف عملية التحول الديمقراطي عن مسارها، وكان نجاحها الأكبر في مصر التي شكَّلت أبرز نقطة خلاف مع قطر. فقد أطاح الجيش المصري في 3 تموز / يوليو 2013، بانقلاب عسكري قاده وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، حُكمَ الرئيس المصري محمد مرسي، وأدَّت السعودية والإمارات دورًا مشهودًا في محاصرة النظام المنتخب، وفي التعبئة الإعلامية التي حضَّرت للانقلاب، بما في ذلك الاستثمار في الإعلام المصري. إضافةً إلى ذلك، تؤدِّي كلّ من السعودية والإمارات دورًا في منع استقرار أنظمة ديمقراطية في تونس واليمن؛ ذلك أنّ السعودية غير معنية بنجاح أيّ تجربة سياسية تعدُّدية يجري فيها تداول السلطة.
إنّ التحدي الأساسي الذي تمثِّله قطر، بالنسبة إلى السعودية وكلِّ المنظومة السياسية في المنطقة، هو في انتهاجها سياسيةً خارجيةً مستقلةً عن المحور السعودي وعن المحور الإيراني في الآن نفسِه، واحتضانها شخصياتٍ ورموزًا من كلّ التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية السائدة في العالم العربي؛ من إسلاميين، وقوميين، ويساريين، ولبراليين، حتى أنّ بعضهم يكاد يحار في قدرة قطر على ضمِّ هذا الكمّ الكبير من التنوع الذي يعدُّه من لم يتعوَّد مثل ذلك في السياسة العربية، تناقضًا وارتباكًا في السياسة الخارجية القطرية . خامساً:الخليج وأوراق الضغط الاقتصادية على قطر هل دول الخليج" السعودية - الإمارات - البحرين" قادرة على التأثير الإقتصادى على قطر؟ وماهى التداعيات الاقتصادية لقرار سحب السفراء، وهل هناك إمكانية لفرض حصار اقتصادى خليجى على قطر؟ بقراءة فى واقع التبادل الاقتصادى بين قطر ودول الخليج "السعودية- الامارات- البحرين" يستبعد تماماً فرضية بفرض عقوبات اقتصادية، فإن الدول الخليجية لا يتوفر لديها اقتصادياً ما يمكن أن تفرضه من عقوبات تجاه الاقتصاد القطري، رغم أن السعودية تحيط بها من ثلاثة اتجاهات برية. فقطر تمتلك سلعة اقتصادية واحدة، شأنها شأن باقي دول الخليج، وهي النفط والغاز، وفي ضوء المعادلة الدولية الصعبة في مجال الطاقة، فالدول الكبرى أو الصاعدة المستوردة للنفط والغاز من قطر لن تسمح بمثل هذه العقوبات، لما يمثله النفط والغاز لها من أهمية اقتصادية.
والملاحظ أن قرار سحب السفراء للدول الخليجية الثلاث لا يعبر عن وجهة نظر جماعية داخل دول مجلس التعاون، حيث رفضته الكويت وسلطنة عمان، وهو ما يعني أن أية قرارات اقتصادية تمثل عقوبات أو حصار اقتصادي خليجي غير واردة، في شكل جماعي. بلغت تجارة قطر الخارجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ما يعادل 8.1 مليار دولار في عام 2012، تمثل صادرات قطر لدول المجلس 4.1 مليار دولار، وواردتها من دول مجلس التعاون لنفس العام 4 مليار دولار، وبذلك تعكس العلاقة التجارية وجود فائض لصالح قطر يبلغ نحو 68 مليون دولار. ويظهر بوضوح تضاءل العلاقة التجارية لقطر مع دول مجلس التعاون الخليجي عند مقارنتها بحجم تجارة قطر مع دول العالم الخارجي، فوفق بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، فإن إجمالي تجارة قطر الخارجية في عام 2011 قد بلغت 136.5 مليار دولار، أي أن تجارة قطر مع دول مجلس التعاون تعادل نسبة 5.9 % من حجم تجارتها مع العالم الخارجي. ولعل الشيء الأكثر إيجابية من بين العديد من المؤشرات الاقتصادية البينية لدول مجلس التعاون الخليجي، هو أن قطر تستحوذ على نسبة 42.2 % من المساهمين في الشركات التي يسمح بتداول أسهمها لمواطني دول المجلس، بنحو 190.8 ألف مساهم، لتحتل المرتبة الثانية بعد الإمارات التي استحوذت على نسبة 46.9 %، بواقع 212.2 ألف مساهم.
الجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج، علاقات تنافسية وليست علاقات تكاملية، فالنفط هو عماد اقتصاديات منطقة الخليج، بلا استثناء، وفشلت دعاوى العمل نحو اقتصاديات متنوعة داخل دول الخليج، وهو ما يعني أن حاجة قطر الاقتصادية لباقي دول مجلس التعاون الخليجي لا يعول عليها كثيرا، ويمكنها بسهولة تحويل تجارتها البينية وباقي علاقاتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى دول أخرى. فليس لدى دول مجلس التعاون الخليجي سلع وخدمات تتمتع فيها بمزايا نسبية أو تنافسية، تجبر قطر على بقاء علاقاتها التجارية والاقتصادية معها . هل الامارات والسعودية كتلة واحدة حملت كل من السعودية والإمارات عبء التصعيد ضد قطر، ولكن يبقى السؤال: هل الامارات والسعودية كتلة واحدة المواقف والمصالح أم أنه تكتل أو محور ضعيف يعانى من الخلافات البينية؟!! الحقيقة أن العلاقات بين البلدين مرت بعدة محطات متوترة ومضطربة، بدأ الخلاف مع محاولة الشيخ زايد آل نهيان إبان تأسيس دولة الإمارات ضمّ إمارتي قطر والبحرين للاتحاد الإماراتي. يقع خور”العديد” – مدار الخلاف بين البلدين – في المنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر، ومثلت هذه المنطقة أمنًا إستراتيجيًّا للسعودية؛ حيث إنَّ اتصالاً قويًّا بين الإمارات وقطر من شأنه تكوين اتحاد قوي ربما يهدد قوة السعودية وسيطرتها على الخليج، كانت هذه النقطة بالتحديد السبب في اعتراض السعودية على إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر عام 2005.
بعد العديد من المناورات بين البلدين وقعت السعودية والإمارات اتفاقية حدودية عام 1974، عُرفت باتفاقية جدة، والتي نصت على امتلاك السعودية الساحل الذي يفصل بين قطر والإمارات، وضمنت عدم قيام تحالف بين البلدين قد يعتبر تحالفًا قويًّا يبسط سيطرته معها على منطقة الخليج. لكن في العام 2006 أصدرت الإمارات في كتابها السنوي خرائط جديدة يظهر فيها خور العيديد تابعًا للمياه الإقليمية الإماراتية. وفي عام 2009، مُنع دخول المواطنين الإماراتيين إلى السعودية باستخدام بطاقات الهوية كما هو معمول به، احتجاجًا على قيام الإمارات بتغيير خريطتها الجغرافية الموجودة على بطاقات الهوية بين مواطنيها. وفي العام 2010 كادت العلاقات تنقطع بين البلدين عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق سعودي في خور العيديد واحتُجِزَ اثنان من أفراد الحرس الحدود السعودي، وحتى الآن الحدود البحرية بين البلدين غير متفق عليها. وقت الصعود الإصلاحي في إيران في أواخر التسعينيات وبداية القرن الجديد وقعت إيران والسعودية اتفاقية أمنية عام2001، وأثارت الاتفاقية حفيظة الإمارات؛ فقد صرح وزير خارجية الإمارات أن الاتفاقية تعتبر تهديدًا أمنيًّا للإمارات، وأدى هذا الموقف إلى تلاقح بالتصريحات بين الإمارات والسعودية.
وبعد الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، رحبت الإمارات بالاتفاق، وزار وزير خارجية الإمارات طهران بعد الاتفاق النووي بأيام وأعرب عن علاقات قوية بين إيران وبلاده، ويذكر أن لإيران جالية كبيرة في الإمارات تقدر بنحو نصف مليون، وهناك ما يقرب من ستة آلاف وخمسمائة شركة إيرانية تعمل في الإمارات، وحسب تقارير؛ فإن الأموال التي أدخلها المستثمرون الإيرانيون إلى الإمارات تجاوزت مائتي مليار دولار . بالرغم من تحالفهما لمواجهة الربيع العربى وداعميه إلا أن العلاقة بينهما ليست على وفاق مستمر وهناك عناصر كثيرة باعثة للخلافات بينهما أهمها "إيران والمشاكل الحدودية" لذا هذا التحالف هش ويمكن تفكيكه إذا تم إستخدام أدوات تفكيك مناسبة.
سادساً: الخيارات المتاحة أمام قطر أمام قطر ثلاثة خيارات هما، الخيار الأول: أن تقوم بتنفيذ رغبات السعودية والإمارات – وهو الأمر الذي سيكلف الأمير تميم علاقته مع الحرس القطري القديم ومن بينهم أبوه، وكذلك الدور الاقليمى للسياسة القطرية. الخيار الثانى: أن يستمر في لعب دوره من خلال اللعب مع حلفاء أبيه وتحرير بلده من السيطرة السعودية وبذلك ينشق تدريجيا عن مجلس التعاون. فيمكن لقطر أن تتحالف بشكل أقوى مع إيران. كما يمكنها أن تكون أكثر ارتباطا اقتصاديا وسياسيا بعُمان التي لديها أيضا علاقات طيبة بطهران. غير أن هذا لن يمر دون تكلفة أيضا. فسلطنة عُمان من بين دول مجلس التعاون تعمل على رفض معايير الدول الأعضاء التي وضعوها ضد إيران. إذا ما انضمت قطر إلى هذا المنهج فإنها لن تستطيع أن تحافظ على مكانها في مجلس التعاون.
وإذا ما أصبحت قطر أكثر صداقة مع إيران وعُمان فإن ذلك سوف يكون بمثابة موت لمجلس التعاون الخليجي ويشكل موائمات جديدة في الخليج. كما أن ذلك من شأنه أيضا أن يعقد خطط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولبعض الوقت، شجعت الولايات المتحدة دول الخليج العربي بالتفكير في العمل بشكل أكثر تعاونا من أجل دعم أمن الخليج. ولكن ومع زيادة التوتر بين دول الخليج، واحتمالية انفصال بعضها، فإن هذا الهدف يبدو غير واقعي. ربما ارتأت واشنطن أن تحالفاتها في الخليج لن تكون قادرة على تقديم الأمن القومي في أي وقت قريب، ونتيجة لذلك، فكرت مرتين حول خطط من أجل تخفيف قدمها السياسية والعسكرية هناك. الخيار الثالث: احتواء الأمور وحل المشاكل العالقة أو تهدئتها دون التصعيد وهو مايبدو فى الأفق، فاستمرار خلافات قطر مع السعودية والإمارات توجد مأزقا سياسيا آخر للولايات المتحدة.
فلواشنطن علاقات استراتيجية مع الدول الثلاث والتي سيكون من الصعب إدارة هذه العلاقات إذا لم تكن الدول الثلاث متفاهمة ولديهما مصالح وسياسات مشتركة. ويدعم هذا الخيار أن قطر أعربت عن رغبتها في احتواء الخلاف وعدم التصعيد؛ من خلال عزوفها عن مقابلة الخطوة السعودية - الإماراتية - البحرينية بمثلها، وأعلنت أنّ سحْب سفرائها من الدول الثلاث مسألة ليست واردةً بالنسبة إليها، وأعلنت، أيضًا، أنها ملتزمة بميثاق مجلس التعاون، وأمنه المشترك، ومصالح شعوبه. بيد أنّها لا تملك، من جهة أخرى، الرضوخ لما يُطلب منها؛ فالمطلوب هو أن تتخلى عن سياستها الخارجية المستقلة، وعن دعمها للثورات العربية، وعن استضافتها معارضين عَربًا لم يجدوا في بلدانهم الأصلية متنفسًا للتعبير عن أنفسهم، . وبالرغم من تهدئة الأجواء التى قد تتم إلا أن مجلس التعاون الخليجى يواجه أزمة حقيقية والتى ربما تتصاعد تلك الأزمة مع القمة الخليجية القادمة.