لماذا لا يلبي القضاء المصري المتحفظ دعوات السيسي

ك. س. مونيتور -  لويزا لوفلوك

8 مايو 2015 

 

إن حبس الإسلاميين والحكم عليهم بالإعدام يجعل من القضاء المصري في كثير من الأحيان يبدو كأحد أذرع النظام الاستبدادي. ولكنه بيروقراطية عملاقة تعمل لمصلحتها وفي كثير من الأحيان تتعارض مع السيسي.

 

 

غالبًا ما يرى نظام القضاء المستقل على أنه أمرًا لا غنى عنه للمسار الصحيح للديمقراطية. وقد يفاجأ الشخص العادي أن في مصر -حيث يبدو أن النظام القضائي يقدم عطاءات للرئيس عبد الفتاح السيسي الاستبدادي من مقع للمعارضين، وسجن الآلاف والحكم بالإعدام على الإسلاميين فيموت المئات- استعادة البيروقراطية الضخمة بعض من استقلالها. ولكن من المفهوم أنه من الأفضل أن تعمل لمصلحتها الذاتية الخاصة، ومصلحة أعضائها. فمنذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، اعتقل أكثر من 40,000 شخص. اكتظت السجون المصرية بالسجناء، وأصبحت القاعدة هي المحاكمات الجماعية. في يونيو/ حزيران العام الماضي، كان الحكم على ثلاثة صحفيين المنتمين لقناة الجزيرة المتهمين بعدة اتهامات بالسجن الحكم الأكثر خزيًا واعتبره البعض معيبًا بالدرجة الأولى. وفي الآونة الأخيرة، فقد صدرت مئات من أحكام الإعدام ضد أنصار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، الحركة التي دفعت السيد مرسي إلى السلطة.

 

بينما حذر خبراء قانونيون من تأويلات التي ترفض هذه القرارات باعتبارها نتاج ضغط من قوات عليا بينما يؤكد القضاة على نزاهة القضاء وأن مصر تتبع ما تحتم عليها مصالحها متمشيًا مع الثقافى التي تقضي بأولوية الاستقرار  والأمن. وفي بعض الحالات – يقول محللون سياسيون- إن إجراءات المحاكم مكلفة للنظام. أعرب د./ أتش. أيه. هيلر - زميل غير مقيم في مركز بروكينغز للمعهد الملكي للخدمات المتحدة وسياسات الشرق الأوسط- " يبدو أن الأحكام بالسجن غير مكلفة للسلطات الداخلية – ويبدو أن العاصمة السياسية غير متأثرة"، "بينما على الساحة الدولية، فالأمر مختلف تمامًا." يشير د. هيلر إلى حقيقة وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان التي لا تزال تطالب بفرض عقوبات أقسى على القضاء، مشيرة إلى التأثير على صورة مصر الدولية ويقول أن ذلك "لن يتوقف قريبًا." أوضحت سحر أف. عزيز - وهي أستاذ مساعد في القانون بجامعة تكساس أي أند أم- العلاقة بين القضاء والرئاسة في بحث نشر مؤخرًا، ووصفتها "المشاركة أو الاستقلالية".

 

على مر التاريخ، كان القضاء دائمًا الصديق والعدو للرؤساء مصر. حاله حال وزارة الداخلية التي تسيطر على الشرطة وهي سلطة بيروقراطية ضخمة التي تدين بحجمها وقوتها لحقبة من الطراز الاشتراكي الذي نشأ في ظل جمال عبد الناصر. على الرغم من أن القضاة لديها سياسات شكلية ولديهم القدرة على الاستيلاء على السلطة من الحكام المستبدين المتتاليين، فقد كان رد رد فعل القضاء شديد عندما طعن في قوته. قضى مرسي شهوره الآخيرة في ولايته على خلاف مع السلطة القضائية، بعد أن حاول تكبيل الآلاف من قضاة عصر مبارك بإجبارهم على التقاعد بإصدار قرار خفض حد  السن الأقصى للتقاعد القضاة.

 

العديد من القضاة هم رجال شرطة سابقون

 

أوضحت حرم السيد عزيز، أن الاضطرابات التي أعقبت ثورة يناير 2011 هددت بإخضاع المحسوبية القضائية والمكافآت القضائية المجزية للتدقيق والفحص. في السنوات التي تلت الثورة ألقت المؤسسة بثقلها وراء تلك القوى التي من شأنها المساعدة في الحفاظ على تلك الممارسات. وفي الوقت الراهن نظام السيسي كفيلاً بذلك. في مارس، أكد قاض من مدينة الدلتا في الزقازيق صحة ذلك الأمر وتفشيه. قبل إصدار حكمه بت بتبرئة ثمانية من كبار مسئولي الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين، بكلمة لهم من القلب "عليك أن تعرف أنك لستم متهمون، فأنتم الأبطال".

 

تحدد عقلية السلطة القضائية من خلال مجموعة من العوامل الهيكلية، تتعلق بمكانة القضاة، وأين يسمعون دعواهم. غالبًا، معظم القضاة هم رجال شرطة سابقون. ويقول بعض المحامين خضعت أسرهم تحريات من أمن الدولة قبل تعيينهم في مناصبهم. ويقول محامو الدفاع أن هذا التحيز غالبًا ما يزيد من صعوبة نجاح الأمر.

 

المحاكمات المنعقدة في السجون ومراكز الشرطة

يقول أحد المحامين- أحمد رمضان- "الشخص الذي خدم الدولة لفترة طويلة، لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحى إلى معادي لها ويتحرك لخدمة العدالة." فهو يحكم "بوجهة نظر الدولة وعقلية ضابط شرطة." فلكثير من هؤلاء المسئولين الأمنيين السابقين، تجرى تلك المحاكمات على أرضه ووسط جماهيره. يكافح النظام القضائي المصري يوميًا للتعامل مع العديد من السجناء وكثيرًا ما تعقد القضايا الحساسة داخل الأطراف المترامية في السجون ومراكز الشرطة. وأضاف رمضان " لا يمكنك أن ترفع قضية على جارك ويحاكم على أرضه."

 

هناك أدلة تشير إلى أن نكتب السيسي مارس ضغوطًا من نفسه. حيث أظهرت تسريبات تسجيلية في ديسمبر الماضي عباس كامل – رئيس موظفي السيسي- وممدوح شاهين –أحد لواءات الجيش والمستشار القانوني للجيش، يناقشون قضية مثيرة للجدل. حيث يتعهد شاهين " سأتحدث للقاضي"، "لا تقلق". لكن في كثير من الأحيان كما يقول الخبراء هذه الضغوطات لا ضرورة لها. يقول ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن " إن القانون في كثير من الأحيان مستبد في محتواه، ويعطن سلطة كبيرة في مسائل أمنية هامة في أيدي مسئولين أمنيين وفي أيدي المدعي العام." وأضاف ناثان قائلاً إن الطرق الأكثر دقة للتأثير على النظام هي اختيار من من القضاة يتولى القضايا وكيف يتعامل مع الأدلة."

 

السلطة القضائية عائلة

 

في نظام القانون المصري يؤدي القضاة دورًا استقصائيًا، وإشرافيًا على جمع الأدلة واستجواب المشتبه بهم أمام المحكمة مباشرة. تقول هيام الجنايني –وهي محامية تعمل في حملة لزيادة تمثيل المرأة في هذه المهنة- "اعتقدنا أن [ بعد الثورة] سيتغير هذا النظام برمته ولكن لا يمكن تغييره من الداخل"، "فالقضاء عائلة من يستطيع التغيير فيما بينهم؟" ولكن لا زال وميض من الأمل لآلاف من السجناء الذين يمر تحت وطأة النظام القضائي في مصر.  وفقَا لبراون يقدم نظام الطعون الطويلة والمعقدة في مصر فرصة لتحسينه أو تغييره تمامًا". أوضح براون " خلال طريقهم لإصلاح النظام ستخلف فرصة لوجود قضاة أكثر مهنية وقضاة لا يخضعون لومة لائم" ولكن حتى تتحق هذه الفرصة – إذا جاءت- يقول المحامون أن أفضل دفاع ليس دراسة دقيقة للأدلة.

 

أوضح رمضان " المحام الجيد يعرف القانون" ولكن " المحامي المحنك يعرف القاضي جيدًا"